محاكمات | المقدمة الاولى | 7
(1-90)

عليه مفهوم الآية والحديث. ولكن المفتونين بالظاهر(1) الذين لم يجدوا -بسوء اختيارهم- مصدراً غيره، ولم يتحرّوا عنه، فسّروا قسماً من الايات والاحاديث بتطبيق الاسرائيليات عليهما. والحال ان الذي يفسر القرآن ليس الاّ القرآن والحديث الصحيح، والاّ فلا يفسر القرآن بالانجيل والتوراة المنسوخة احكامهما والمحرفة قصصهما.
ان المعنى شئ ومايصدُق عليه المعنى شئ آخر. غير انه اقيم ما يمكن ان يكون مصداقاً لشئ مقام المعنى، فاختلط كثير من الامكانات والاحتمالات مع الوقائع.
ثم لما ترجمت الفلسفة اليونانية في عصر المأمون، لضمها الى الفكر الاسلامي، تلك الفلسفة الناشئة من منبع كثير من الاساطير والخرافات، حملت معها شيئاً من العفونات، وتداخلت في افكار العرب الصافية، فشوشت الافكار الى حدٍ ما، وفتحت طريقاً من التحقيق الى التقليد، كما انها صرفتهم عن الاستنباط بقرائحهم الفطرية من معدن ماء حياة الاسلام الى الافتقار بالتتلمذ على تلك الفلسفة المانعة للكمال.
نعم، فكما ان العلماء المحققين دوّنوا قواعد علوم العربية،عندما فسدت باختلاط الأعاجم، حفاظاً على سلامة مَلَكة الكلام المُضرى، كذلك حاول قسم من علماء الاسلام الناقدين فرز الفلسفة وتمييز الاسرائيليات لمّا دخلتا دائرة الاسلام.
ولكن يا للأسف لم يوفقوا كلياً، فلم يبق الأمر عند حده، اذ لما صرفت الهمة الى تفسير القرآن الكريم... طبّق عدد من الظاهريين منقوله على بعض الاسرائيليات، ووفقوا بين قسم من معقوله والفلسفة المذكورة، لما رأوا من شموله على المنقول والمعقول، وكذا الحديث النبوي، فبدلاً من ان يستخرج المقاصد من عين الكتاب والسنة استنبط طائفة مطابقةً وعلاقةً بين بعض نقلياتهما الصادقة وبعض الاسرائيليات المحرفة، وبين عقلياتهما الحقيقية وهذه الفلسفة الموهومة المموّهة، ظناً منهم ان هذه المطابقة والمشابهة تفسيرٌ لمعاني الكتاب والسنة وبيان لمقاصدهما!

----------------------------------------------------------------------------

(1) ترد في ثنايا الكتاب اصطلاحات مشابهة لهذا، فتارة: الظاهريون، واخرى: اهل الظاهر ، واخرى: المغرمون بالظاهر.. الخ. والمقصود: اولئك الذين يولون اهمية لظاهر الشئ دون حقيقته، ولا يمكنهم درك حقيقة الشئ، أو لا يعرفونها معرفة جيدة، او يتوقفون في ظاهر الشئ او النص دون تأويله وتوجيهه. المترجم.

لايوجد صوت