محاكمات | المقدمة الاولى | 88
(1-90)

نفسه والمقام والصنعة والقصة والصفة يعينك بتفاريق لوازمها وتوابعها، فتخيط من تلك التفاريق لباس اسلوبك. فلا تمد نظرك الى الخارج الاّ مضطراً. او بتعبير اخر قاطع اموال الاجانب، فهو اساس مهم للحيلولة دون تبعثر ثروة البلاد. فمقاطعة الاجانب تزيد قوة الكلام، اي: ان المعنى والمقام والصنعة يفيد الكلام بدلالته الوضعية، اذ كما يُظهر الكلام المعنى بدلالته الوضعية، فمثل هذا الاسلوب يشير بطبيعته الى المعنى.
وان شئت مثالاً فانظر في المسألة التاسعة الى: [فانظر الى كلام الرحمن الذي علّم القرآن، فبأي أيات ربك لاتتجلى هذه الحقيقة؟ فويل حينئذ للظاهريين الذين يحملون ما لايفهمون على التكرار] وفيها ايضاً: [فانظر الى قصة موسى، فانها اجدى من تفاريق العصا، اخذها القرآن بيده البيضاء فخرّت سحرة البيان ساجدين لبلاغته]. وان شئت فانظر الى ديباجة كتب العلوم الآلية، فان مافيها من براعة الاستهلال - وان لم يكن بلاغتها دقيقة ولطيفة - براعة استهلال لهذه الحقيقة.
وايضاً ففي ديباجة هذا الكتاب امثلة: اذ اظهر النبيّ الكريم معجزة لنبوته.. وفي ديباجة المقالة الثالثة: قد بُينت جملتا كلمة الشهادة، كل منها شاهدة على الاخرى.. وكذا قيل في المقدمة السابعة لاولئك الذين قالوا بنـزول القمر الى الارض بعد انشقاقه: لقد اصبحتم سبباً لخسف معجزة القمر الظاهر كالشمس الساطعة برهاناً على النبوة وجعلتم تلك المعجزة الظاهرة مخفية كنجم السهى!
وقياساً على هذا تجد امثلة كثيرة لهذه الحقيقة، لان مسلك هذا الكتاب مقاطعة اموال الخارج، وعدم الاخذ منها الاّ للضرورة كما هو حالي انا. بل مقاطعتها في المسائل والامثلة والاساليب، لكن ربما يرد توافق في الخواطر. اذ الحقيقة واحدة، فمن اي باب دخلت عليها تجدها تجاهك.
خاتمة:
لقد قيل: انظر الى القول دون القائل! ولكني اقول: انظر الى مَن قال؟ ولمن قال؟ وفيمَ قال؟ ولِمَ قال؟ اذ يلزم مراعاة هذه الامور كمراعاة القول نفسه في نظر البلاغة بل هذا هو الالزم.

لايوجد صوت