سنوحات | افادة مرام | 16
(1-39)

فلو كان قد بيّن القرآن الكريم ضمن بيان الضروريات الدينية مباشرة لكان الذهن ينتقل انتقالاً طبيعياً الى قدسيته، ولاثارت الشوق الى الاتباع، ولنبهت الوجدان الى الاقتداء، وعندها تنمو ملكة رهافة المشاعر لدى المخاطب بدلا من صممها امام حوافز الايمان وموقظاته.
فالكتب الفقهية اذن ينبغي ان تكون شفافة لعرض القرآن الكريم واظهاره، ولاتصبح حجابا دونه كما آلت اليه -بمرور الزمان- من جراء بعض المقلدين. وعندئذ تجدها تفسيراً بين يدي القرآن وليست مصنفات قائمة بذاتها.ان توجيه انظار عامة الناس في الحاجات الدينية توجيها مباشراً الى لقرآن الكريم، خطاب الله العزيز الساطع باعجازه والمحاط بهالة القدسية والذي يهز الوجدان بالايمان دائما.. إنما يكون بثلاث طرق:
1- اما ازالة ذلك الحجاب من امام القرآن الكريم بتوجيه النقد وتجريح الثقة باولئك المؤلفين للكتب الفقهية الذين يستحقون كل الاحترام والتوقير والثقة والاعتماد.. وهذا ظلم فاضح، وخطر جسيم، واجحاف بحق اولئك الائمة الاجلاء.
2- او تحويل تلك الكتب الفقهية تدريجيا الى كتب يستشف منها فيض القرآن الكريم، اي تصبح تفسيرا له، ويمكن ان يتم هذا باتباع طرق تربوية منهجية خاصة حتى تبلغ تلك الكتب الى مايشبه كتب الائمة المجتهدين من السلف الصالح امثال "الموطأ" لمالك بن انس و"الفقه الاكبر" لابي حنيفة النعمان. فعندئذ لايُقرأ كتاب "ابن حجر" -مثلاً- بقصد مايقوله ابن حجر نفسه، بل يُقرأ لاجل فهم مايأمر به القرآن الكريم، وهذا الطريق بحاجة الى زمن مديد.
3- او شد انظار جمهور الناس دوما الى مستوى اعلى من تلك الكتب - التي اصبحت حجابا - اي شدها باستمرار الى القرآن الكريم واظهاره فوقها دائما، مثلما يفعله ائمة الصوفية، وعندها تؤخذ الاحكام الشرعية والضروريات الدينية من منبعها الاساس وهو القرآن الكريم، اما الامور الاجتهادية التي ترد بالواسطة فيمكن مراجعتها من مظانها.
ولايخفى ان مايستشعره المرء من جاذبية في كلام الصوفي الحق ومن طلاوة في حديثه غير مايستشعره في وعظ عالم في الفقه، فالفرق في هذا نابع من ذلك السر.ثم انه من الامور المقررة، ان مايوليه عامة الناس من تقدير لشئ وتثمينهم له ليس نابعاً -على الاغلب- مما فيه من كمال، بل مما يشعرون نحوه من حاجة

لايوجد صوت