(رسالة الشيوخ) | الرجاء الاول | 24
(1-82)

كان الارق يصيبني كثيراً في تلك الليالي الحالكة السواد، المتسربلة باحزان الغربة القاتمة، حيث لا يُسمع الاّ الخرير الحزين لنهر (فولغا)، والاصوات الرقيقة لقطرات الامطار، ولوعة الفراق في صفير الرياح.. كل ذلك ايقظني – مؤقتاً – من نوم الغفلة العميق..
ورغم انني لم اكن اعدّ نفسي شيخاً بعدُ، ولكن من يرى الحرب شيخ، حيث ايامها يشيب من هولها الولدان، وكأن سراً من اسرار الآية الكريمة: ﴿يَوماً يَجعلُ الوِلدانَ شيباً﴾(المزمل:17) قد سرى فيها. ومع انني كنت قريباً من الاربعين الاّ انني وجدتُ نفسي كأنني في الثمانين من عمري..
في تلك الليالي المظلمة الطويلة الحزينة، وفي ذلك الجو الغامر بأسى الغربة، ومن واقعي المؤلم الاليم، جثم على صدري يأس ثقيل نحو حياتي وموطني، فكلما التفتُّ الى عجزي وانفرادي انقطع رجائي واملي. ولكن جائني المدد من القرآن الكريم..
فردد لساني: ﴿حسبنا الله ونعم الوكيل﴾(آل عمران:173)
وقال قلبي باكياً:
انا غريب.. انا وحيد.. انا ضعيف.. انا عاجز.. انشد الامان.. اطلب العفو.. اخطب العون.. في بابك يا إلهي.
اما روحي التي تذكرت احبابي القدامى في بلدي، وتخيلت موتي في هذه الغربة، فقد تمثلت بأبيات نيازي المصري، وهي التي تبحث عن صديق:
مررت بأحزان الدنيا، واطلقت جناحي
للحرمان
طائراً في شوق، صائحاً في كل لحظة:
صديق!.. صديق..!

لايوجد صوت