وهكذا فما دام الضعف والعجز اللذان في الشيخوخة يصبحان محورين لجلب الرحمة الإلهية الواسعة، وان القرآن الكريم يدعو الاولاد الى الاحترام والرأفة بالوالدين في خمس مراتب، وبأسلوب غاية في الاعجاز، في قوله تعالى:
﴿إما يَبلغَنّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحدُهُما أو كلاهما فلا تَقُل لهما أفّ ولاتَنهَرهُما وقُل لُهما قولاً كريماً واخفِضْ لُهما جَناحَ الذُلّ من الرحمة وقُل ربّ ارحَمهُما كما ربياني صغيرا﴾(الاسراء:23-24).
وما دام الإسلام يأمر بتوقير الشيوخ والرحمة بهم، والفطرة الانسانية تقضي الاحترام والرحمة تجاه الشيوخ.. فلا بد لنا – نحن الشيوخ – ألا! نستبدل شيخوختنا هذه بمائة عهد من عهود الصبا؛ ذلك لان لنا فيها اذواقاً معنوية دائمة جديرة، بدلاً من الذوق المادي الناشيء من نزوة الشباب، حيث نأخذ اذواقاً روحية نابعة من الرحمة الصادرة من العناية الإلهية ومن الاحترام النابع من فطرة الانسانية.
نعم، انى اُطمئنكم بأنه لو اُعطيتُ عشر سنوات من عهد شباب (سعيد القديم) فلن استبدلها بسنة واحدة من شيب (سعيد الجديد). فانا راضٍ عن شيخوختي، فارضوا عنها انتهم كذلك..
الرجاء العاشر
بعدما رجعت من الأسر، سيطرت الغفلة عليّ مرة اخرى طوال سنتين من حياتي في استانبول، حيث الأجواء السياسية وتياراتها صرفت نظري عن التأمل في نفسي، وحدثت تشتتاً في ذهني وفكري.
فحينما كنت جالساً ذات يوم في مقبرة ابي ايوب الانصاري رضي الله عنه وعلى مرتفع مطلّ على وادٍ سحيق، مستغرقاً في تأمل الافاق المحيطة باستانبول، اذا بي أرى كأن دنياي التخاصة اوشكت على الوفاة، حتى شعرت – خيالاً – كأن الروح تنسل منها انسلالاً من