تحتها خلالا ثماني سنوات، حتى كأنه قد مرّت عليها ثمانمائة سنة، ووفاة مدرستي – اسفل القلعة – التي كانت تنبض بالحياة والتي كانت مجمع الاحباب.. تشير الى وفاة جميع المدارس الدينية في الدولة العثمانية. وتبين العظمة المعنوية لجنازتها الكبرى، حتى كأن القلعة التي هي صخرة صلدة واحدة، قد اصبحت شاهدة قبرها. ورأيت ان طلابي – رحمهم الله جميعاً – الذين كانوا معي في تلك المدرسة - قبل ثماني سنوات - وهم راقدون في قبورهم، رأيتهم كأنهم يبكون معي، بل تشاركني البكاء والحزن حتى بيوت المدينة المدَمرة، بل حتى جدرانها المنهدّة واحجارها المبعثرة.
نعم انني رأيت كُل شيء وكأنه يبكي، وعندئذٍ علمت انني لاأستطيع أن اتحمل هذه الغربة في مدينتي، ففكرت إما أن أذهب اليهم في قبورهم او عليّ أن انسحب الى مغارة في الجبل منتظراً اجلي، وقلت مادام في الدنيا مثل هذه الفراقات والافتراقات التي لايمكن أن يُبصر عليها، ولايمكن أن تقاوم، وهي مؤلمة ومحرقة الى هذه الدرجة، فلاشك أن الموت افضل من هذه الحياة، ويرجح على مثل هذه الاوضاع التي لاتطاق.. لذا وليت وجهي سارحاً بنظري الى الجهات الست.. فما رأيت فيها الاّ الظلام الدامس، فالغفلة الناشئة من ذلك التألم الشديد والتأثر العميق أرتنى الدنيا مخيفة مرعبة، وانها خالية جرداء وكأنها ستنقض على رأسي. كانت روحي تبحث عن نقطة استناد وركن شديد امام البلايا والمصائب غير المحدودة التي اتخذت صورة اعداء ألدّاء. وكانت تبحث ايضاً عن نقطة استمداد امام رغباتها الكامنة غير المحدودة والتي تمتد الى الابد. فبينما كانت روحي تبحث عن نقطة استناد، وتفتش عن نقطة استمداد وتنتظر السلوان والتسرّي من الهموم والاحزان المتولدة من الفراقات والإفتراقات غير المحدودة والتخريبات والوفيات الهائلة، اذا بحقيقة آية واحدة من القرآن الكريم المعجز وهي: ﴿سبح لله ما في السموات والارض وهو العزيزُ الحكيم لهُ مُلك السموات والأرض يحيي ويُميت