(رسالة الشيوخ) | الرجاء الاول | 50
(1-82)

وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ﴾(الحديد:1-2) تتجلى امامي بوضوح وتنقذني من ذلك الخيال الاليم المرعب، وتنجيني من ألم الفراق والافتراق، فاتحةً عيني وبصيرتي. فالتفتُ الى الاثمار المعلقة على الاشجار المثمرة وهي تنظر اليّ مبتسمة ابتسامة حلوة وتقول لي: (لاتحصرنَّ نظرك في الخرائب وحدها.. فهلاّ نظرت الينا، وانعمت النظر فينا..).
نعم ان حقيقة هذه الآية الكريمة تنبه بقوة مذكرةً وتقول: لِمَ يُحزنك الى هذا الحدّ سقوط رسالة عامرة شيدت بيد الانسان الضعيف على صحيفة مفازة (وان)، حتى اتخذت صورة مدينة مأهولة؟ فلِمَ تحزن من سقوطها في السيل الجارف المخيف المسمى بالاحتلال الروسي الذي محا آثارها واذهب كتابتها؟ إرفع بصرك الى الباري المصوّر وهو ربّ كل شيء ومالكه الحقيقي، فناصيته بيده، وان كتاباته سبحانه على صحيفة (وان) تُكتب مجدداً باستمرار بكمال التوهج والبهجة وان ما شاهدته من اوضاع في الغابر والبكاء والنحيب على خلو تلك الاماكن وعلى دمارها وبقائها مقفرة انما هو من الغفلة عن مالكها الحقيقي، ومن توهم الانسان – خطأ – انه هو المالك لها، ومن عدم تصوره انه عابر سبيل وضيف ليس الاّ..
فانفتح من ذلك الوضع المحرق، ومن ذلك الخطأ في التصور بابٌ لحقيقة عظيمة، وتهيأت النفسُ لتقبلها – كالحديد الذي يدخل في النار ليلين ويعطي له شكلاً معيناً نافعاً – اذ اصبحت تلك الحالة المحزنة وذلك الوضع المؤلم، ناراً متأججة ألانت النفس. فأظهر القرآن الكريم لها فيض الحقائق الإيمانية بجلاء ووضوح تام من خلال حقيقة تلك الآية المذكورة حتى جعلها تقبل وترضخ.
نعم، فكما أثبتنا في المكتوب العشرين وامثاله من الرسائل، فان حقيقة هذه الآية الكريمة – ولله الحمد – قد وهبت بفيض الإيمان نقطة استناد وارتكاز هائلة، وهبتها للروح ومنحتها الى القلب كل حسب ما ينكشف له من فيض ما يملكه من قوة الإيمان، بحيث تستطيع ان تتصدّى لتلك المصائب والحالات المرعبة حتى لو تضاعفت مائة

لايوجد صوت