(رسالة الشيوخ) | الرجاء الاول | 54
(1-82)

وهذا يعني: الحمد لله الذي وهب لي ذلك الإيمان الذي يُري بنعمة نوره أن الدنيا والآخرة مملوءتان بالنعم والرحمة ويضمن الاستفادة من تينك السفرتين العظيمتين بايدي جميع الحواس المنكشفة بنور الإيمان والمنبسطة بنور الإسلام للمؤمنين الحقيقيين، فلو استطعت تقديم الحمد والشكر لله خالقي تجاه ذلك الإيمان بجميع ذرات كياني وبملء الدنيا والاخرة لَفعلت.
فما دام الإيمان يفعل فعله في هذا العالم بمثل هذه الآثار العظيمة، فلابدّ أن له في دار البقاء والخلود ثمراتٍ اعظم وفيوضات اوسع، بحيث لا يمكن أن تستوعبها عقولنا الدنيوية وتعرّفها.
فيا اخوتي الشيوخ، ويا اخواني العجائز، ويا مَن تتجرعون مثلي الآلام المرّة بفراق كثير من الاحبة بسبب الشيخوخة! انيّ أخال نفسي اكثر منكم شيباً معنىً، وان كان يبدو أن فيكم من هو اكبر مني سناً، ذلك لانني أتألم – فضلاً عن آلامي – بآلام آلاف من اخواني، لما أحمله في فطرتي من الرقة والشفقة الزائدتين الى بني جنسي. فأتألم كأنني شيخ يناهز المئات من السنين، أما انتم فمهما تجرعتم من آلام الفراق لم تتعرضوا لمثل ما تعرضت له من البلايا والمصائب! انه ليس لي ابن افكر فيه، الاّ انني اشعر برقة وألم – بسر الشفقة الكامنة في فطرتي – متوجهة الى آلام ومصائب آلاف من أبناء الإسلام، بل اشعرها حتى لالآم الحيوانات البريئة. زد على ذلك أنني ارى نفسي متعلقة – من جهة الغيرة على الإسلام – بهذه البلاد، بل بالعالم الإسلامي، وارتبط بهما كأنهما داري، برغم اني لا أملك بيتاً خاصاً بي كي أحصر ذهني فيه؛ لذا فانني أتألم بالآم المؤمنين الذين هم في هاتين الدارين وأحزن كثيراً لفراقهم.
ولما كان نور الإيمان قد كفاني كفاية تامة وأتى على جميع تأثراتي الناشئة من شيخوختي كلها ومن بلايا الفراقات، ووهب لي رجاءً لايخيب، واملاً لا ينفصم، وضياءً لاينطفىء، وسلواناً لا ينفد، فلابد أن الإيمان ايضاً سيكون كافياً لكم ووافياً ايضاً ازاء الظلمات الناشئة من

لايوجد صوت