إحاطةِ حقيقة: التعاون، والتجاوب، والتساند، والتداخل، والموازنة، والمحافظة، في موجوداته بالمشاهدة والعيان].
* * *
ثم ان السائح الذي أتى الى الدنيا وبحث عن خالقها وصعد في ثماني عشرة مرتبة وبلغ عرش الحقيقة بمعراج إيماني، ارتقى من مقام المعرفة الغيابية الى مقام الحضور والمخاطبة. فخاطب هذا الولوع المشتاق روحه قائلاً:
ان الحمد والثناء الغيابيين من بدء سورة الفاتحة الى كلمة (إياك) يورثان طمأنينة تصعد بالانسان وترقيه الى مرتبة المخاطبة بـ(إيَّاكَ) فعلينا إذاً ان نسأل من نبحث عنه، منه مباشرة، ونَدَع البحث الغيابي عنه، إذ ينبغي السؤال عن الشمس - التي تنور كل شئ - من الشمس نفسها. لان الذي يُظهرُ كل شئ ويوضحه لاشك انه يظهر نفسه اكثر من كل شئ؛ لذا فكما يمكننا أن نرى الشمس ونتعرف عليها من أشعتها وضيائها، يمكننا ايضاً أن نسعى - حسب قابليتنا - في التعرف على خالقنا سبحانه وتعالى من تجليات اسمائه الحسنى ومن أنوار صفاته الجليلة.
وسنبين في هذه الرسالة بياناً مجملاً ومختصراً حقيقتين فقط من بين الحقائق الغزيرة والتفصيلات المسهبة لمرتبتين من المراتب غير المتناهية لطريقين من الطرق الكثيرة لهذا المقصد:
الحقيقة الاولى: حقيقة الفعالية المستولية. تلك الفعالية المهيمنة على الكون، والمشاهدة امام اعيننا. وهي التي تدير، وتبدل، وتجدد، جميع الموجودات المحيطة والدائمة والمنتظمة والهائلة والسماوية والارضية. والتي تفضي الى الشعور بحقيقة تظاهر الربوبية - بداهة - ضمن حقيقة تلك الفعالية الحكيمة بجميع جهاتها. وهذا الشعور يسوق الى ادراك تبارز الالوهية بالضرورة ضمن حقيقة تظاهر الربوبية المشعة بالرحمة بجميع جهاتها.