وجوب وجود ذاتٍ مقدسة جليلة لاحدّ لقدرتها، ولانهاية لحكمتها، ويظهرها للعقول واضحة كالشمس.
نغلق باب مسائل الحدوث ونحيلها الى رسائل النور وكتب علماء الكلام.
اما جهة (الامكان) فهو الآخر قد استولى على الكون واحاط به، اذ نشاهد ان كل شئ سواء أكان كلياً ام جزئياً كبيراً ام صغيراً، وكل موجود من العرش الى الفرش، ومن الذرات الى السيارات، إنما يُرسل الى الدنيا، بذاتية خاصة، وبصورة معينة، وبشخصية متميزة، وبصفات خاصة، وبكيفيات حكيمة، وبأجهزة ذات مصالح وفوائد. والحال ان اعطاء تلك الخصوصية، لتلك الذات الخاصة ولتلك الماهية، من بين إمكانات غير محدودة.. وكذا إكساء تلك الصورة المعينة ذات النقوش والعلامات الفارقة المتناسبة، من بين امكانات واحتمالات عديدة بعدد الصور.. وكذا تخصيص تلك الشخصية اللائقة بانتقاء متميز لذلك الموجود المضطرب بين امكانات بقدر اشخاص بني جنسه.. وكذا تمكين صفات خاصة ملائمة ذات مصالح في ذلك المصنوع الذي ليس له شكل والمتردد ضمن امكانات واحتمالات بعدد أنواع الصفات ومراتبها.. وكذا تجهيز ذلك المخلوق بتلك الكيفيات ذات الحكمة، وتقليده بتلك الاجهزة ذات العناية التي من الممكن ان تكون في طرق شتى وطرز غير محدودة، وهو المتحير السائب بلا هدف ضمن ما لايحد من الامكانات والاحتمالات.. ان جميع هذه الاشارات والدلالات والشهادات، الصادرة من حقيقة (الامكان) تشكل بلاشك أحد جناحي هذه الشهادة العظمى للكون؛ لانه بعدد جميع الممكنات الكلية والجزئية، وبعدد امكانات كل ممكن - مما ذكر - من ماهية وهوية، وما له من هيئة وصورة، وما يتميز به من صفة ووضعية، هناك اشارات ودلالات وشهادات على وجود واجب الوجود سبحانه، الذي يخصّص ويُرجّح ويعيّن ويحدِث، ولاحد لقدرته، ولانهاية لحكمته، ولا يخفى عليه شئ ولاشأن، ولا يعجزه