على حقائق الإسلام واحكام القرآن. وينبغي لمن يتسلم زمام الخلافة الاّ تغره الدنيا، كأن يكون معصوماً كالنبي، أو يكون عظيم التقوى عظيم الزهد كالخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز والمهدي العباسي لئلا يغتر. فسلطنة الدنيا لا تصلح لآل البيت، اذ تنسيهم وظيفَتهم الاساس؛ وهي المحافظة على الدين وخدمة الاسلام. وخلافة الدولة الفاطمية التي قامت باسم آل البيت في مصر، وحكومة الموحدين في أفريقيا، والدولة الصفوية في إيران، كل منها غدت حجة على ان سلطنة الدنيا لا تصلح لآل البيت. بينما نراهم متى ما تركوا السلطنة، فقد سعوا سعياً حثيثاً وبذلوا جهداً منقطع النظير في خدمة الإسلام ورفع راية القرآن.
فان شئت فتأمل في الأقطاب الذين أتوا من سلالة الحسن رضي الله عنه، ولا سيما الأقطاب الأربعة، وبخاصة الشيخ الكيلاني. وان شئت فتأمل في الأئمة الذين جاءوا من سلالة الحسين رضي الله عنه، ولا سيما زين العابدين وجعفر الصادق وأمثالهم..
فكلٌ من هؤلاء قد أصبح بمثابة مهدي معنوي، بدّدوا الظلم والظلمات المعنوية بنشرهم أنوار القرآن وحقائق الأيمان، واثبتوا حقاً أنهم وارثو جدهم الأمجد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فان قيل: ما حكمة تلك الفتنة الدموية الرهيبة التي اصابت الأمة الاسلامية في عصر الراشدين وخير القرون، حيث لا يليق باولئك الابرار القهر ونزول المصائب وأين يكمن وجه الرحمة الإلهية فيها؟
الجواب: كما ان الأمطار الغزيرة المصحوبة بالعواصف في الربيع تثير كوامن قابليات كل طائفة من طوائف النباتات وتكشفها فتنثر البذور وتطلق النوى، فتتفتح أزهارها الخاصة بها، ويتسلم كلٌّ منها مهمته الفطرية، كذلك الفتنة التي أبتلي بها الصحابةُ الكرام والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين، أثارت بذور مواهبهم المختلفة، وحفّزت نوى قابلياتهم المتنوعة، فانذَرتْ كلَّ طائفةٍ منهم وأخافتهم من أن الخطر مُحدقٌ بالاسلام، وان النار ستنشب في صفوف المسلمين؛ مما جعل كلَّ طائفة تهرع الى حفظ الدين والذود عن حياض الإيمان،