يمّم جميع المصلين الصافين المتراصين وجوههم بشكل حلقات شطر ذلك المحراب المقدس وهم يقولون مثلي: (إياك نعبد وإياك نستعين. إهدنا..) وكل منهم يصدق الكل ويدعو بإسمهم، جاعلا جميع المصلين شفعاء له.
وحينما كنت أفكر أن طريقاً يسلكها جماعة عظيمة الى هذا الحد لاتكون طريقاً عوجاً قطعاً ولاتكون دعواها إلا صواباً، ولايُردُّ دعاءها بل تطرد شبهات الشيطان.. وإذ أنا أصدق منافع الصلاة العظيمة في جماعة تصديقاً شهودياً، رفع ستار آخر، ورأيت :
كأن الكون مسجد كبير وجميع طوائف المخلوقات منهمكة في صلاة جماعية كبرى، كل قد علم صلاته وتسبيحه، يؤدى نوعا ًً من صلاة خاصة به بلسان الحال. ايفاء ً لعبودية واسعة عظيمة جداًً إزاء ربوبية المعبود الجليل المحيطة. فيصدق كل منهم شهادة الجميع على التوحيد بحيث يحصل كل منهم على اثبات النتيجة نفسها. وإذ كنت اشاهد هذه الامور، رفع ستار آخر، ورأيت :
كما ان الكون الذي هو انسان كبير يقول بلسان الحال وبلسان الاستعداد والحاجة الفطرية لكثير من اجزائه، وبلسان المقال لذوي الشعور من موجوداته: (إياك نعبد وإياك نستعين) مظهرين عبوديّتهم لخالقهم ازاء ربوبيته الرحيمة، كذلك جسدى، هذا الكون الصغير، كجسد كل مصلّ ٍ معي في تلك الجماعة العظمى يقول بذراته وبقواه وبمشاعره ايضاً : (إياك نعبد وإياك نستعين) بلسان الطاعة والحاجة، ازاء ربوبية خالقه، منقاداً للأمر الآلهى مستسلماً لارادته سبحانه، ورأيت ان تلك الجماعة من الذرات والقوى والمشاعر تعرض في كل آن حاجتها الى عناية خالقها الجليل وتبسطها امام رحمته واعانته. وشاهدت باعجاب السر الرفيع للجماعة في الصلاة، وأبصرت المعجزة الجميلة لـ(ن) نعبد. واستودعت تلك السياحة الخيالية لدى باب (ن) الذي دخلتها منه. وحمدتُُ الله قائلاً: الحمدلله. وسعيت لاقول (إياك نعبد وإياك نستعين) بلسان تلك الجماعات الثلاث، اولئك