ان قلت: الكفر صفة القلب فكيف كان شدّ الزُنّار - وقد قيس عليه (الشَّوْقَة)(3)- كفراً؟
قيل لك: ان الشريعة تعتبر بالامارات على الامور الخفية حتى اقامت الاسباب الظاهرية(4) مقام العلل. ففي شد الزُنَّار المانع بعضُ نوعه عن اتمام الركوع، وإلباس (الشَوْقَة) المانعة عن تمام السجود علامة الاستغناء عن العبودية، والتشبه بالكفرة المومِئ باستحسان مسلكهم وملّيتهم. فما دام لم يُقطَع بانتفاء الامر الخفي يُحكَم بالامر الظاهر.
ان قلت: اذا لم يُجدِ الانذار فلِمَ التكليف؟
قيل لك: لإلزام الحجة عليهم.(1)
ان قلت: الاخبار عن تمردهم يستلزم امتناع ايمانهم فيكون التكليف بالمحال؟
قيل لك: ان الاخبار وكذا العلم والارادة لا تتعلق بكفرهم مستقلا مقطوعاً عن السبب، بل انما تتعلق بكفرهم باختيارهم. كما يأتيك تفصيله. ومن هنا يقال: (الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار).
ان قلت: ايمانهم بعدم ايمانهم(2) محال عقليّ يشبه (الجذر الاصم الكلاميّ).؟(3)
------------------------
(3) القبعة.
(4) التى هى ليست عللاً (ت:74)
(1) اذ يمكنهم ان يقولوا لم نبلّغ بالتكليف ولا علم لنا به، ويكون هذا مدار نجاتهم من الجزاء (ت:74)
(2) كما في (لايؤمنون) وامثالها من الآيات (ت:74).
(3) مغلطة الجذر الاصم هى هذه: قيل ان اجتماع النقيضين واقع، لانه لو قال قائل كل كلامي في هذه الساعة كاذب والحال انه لم يقل في تلك الساعة غير هذا الكلام، فلا يخلو من ان يكون هذا الكلام، صادقاً أوكاذباً. وعلى التقديرين يلزم اجتماع النقيضين. اما اذا كان صادقاً فيلزم كذب كلامه في تلك الساعة، وهذا الكلام مما تكلم به في تلك الساعة ولم يتكلم بغيره؛ فيلزم كذب كلامه. والتقدير انه صادق فيلزم اجتماع النقيضين وان كان كاذباً يلزم ايضاً اجتماع النقيضين لانه يلزم ان يكون بعض افراد كلامه صادقاً في تلك الساعة لكن ما وجد عنه في تلك الساعة سوى هذا الكلام فيلزم صدقه، والمفروض كذبه فيلزم اجتماع النقيضين. وهذه المغلطة مشهورة تحير جميع العلماء في حلّها.(ب)