اشارات الاعجاز | اِنًّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَاَنْ | 86
(81-88)

 ان قلت: لِمَ انذر بالترهيب فقط مع انه بشير نذير؟
قيل لك: اذ الترهيب هو المناسب للكفر، ولان دفع المضار أولى من جلب المنافع وأشد تأثيراً، ولأن الترهيب هنا يهز عِطف الخيال ويوقظه لان يتلقى ويجتني بعد قوله ﴿لايؤمنون﴾ (أبشّرتهم ام لم تبشرهم).
ثم اعلم! كما ان لكل حكمٍ معنى حرفياً ومقصدا خفياً؛ كذلك لهذا الكلام معان طيارة ومقصد سيق له هو تخفيف الزحمة، وتهوين الشدة عن النبي عليه السلام، وتسليته بتأسّيه بالرسل السالفين. اذ خوطب اكثرهم بمثل هذا الخطاب، حتى قال نوح بعده ﴿لا تَذَرْ عَلَى الاَرْضِ مِنَ الْكَافِرينَ دَيَّاراً﴾(سورة نوح:26).. ثم لأن آيات القرآن كالمرايا المتناظرة، وقصص الانبياء كالهالة للقمر تنظر الى حال النبي عليه السلام؛ كان كأن هذا الكلام يقول: هذا قانون فطريّ الهيّ يجب الانقياد له.
واعلم بعد هذا التحليل!
ان مجموع هذه الآية الى ﴿ولهم عذاب عظيم﴾ سيقت: مشيرةً بعقودها الى تقبيح الكفر وترذيله، والتنفير منه والنهي الضمني عنه، وتذليل أهله، والتسجيل عليهم، والترهيب عنه، وتهديدهم.. منادية(1) بكلماتها بأن في الكفر مصائب عظيمة، وفوات نِعَم جسيمة، وتولد آلام شديدة، وزوال لذائذ عالية.. مصرحةً بجملها بأن الكفر أخبث الاشياء وأضرها.
اذ أشار بلفظ ﴿كفروا﴾ بدل (لم يؤمنوا) الى انهم بعدم الايمان وقعوا في ظلمة الكفر الذي هو مصيبة تفسد جوهر الروح وايضا هو معدن الآلام.
وبلفظ ﴿لايؤمنون﴾ بدل (لايتركون الكفر) الى انهم مع تلك الخسارة سقط من ايديهم الايمان الذي هو منبع جميع السعادات.

---------------

(1) بالنصب، عطف على قوله: مشيرةً. وكذا مصرحة.

لايوجد صوت