اشارات الاعجاز | مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَل | 140
(131-154)

(مَن يبرز الى الميدان). وان شئت فتأمل في الآيات المذكورة تر فيها مصداق هذه المسائل بألطف وجه. وان شئت زُرِ الامامَ البوصيريَّ(2) وانظر كيف كتب (رَضـَتَتَهُ)(3) باسلوب الحكيم في قوله:
وَاسْتَفْرغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قَدِ امْتَلأَتْ مِنَ الْمَحَارِمِ وَالْزِمْ حِمْيَةَ النَّـدَم
ورمز الى الاسلوب بلفظ الحمية. او استمع هدهد سليمان كيف أومأ الى هندسته(4) بقوله: ﴿الاّ يَسْجُدُوا لله الَّذِي يُخْرِج الْخَبْءَ في السَّموَاتِ والارضِ﴾(سورة النمل:25).
المسألة الرابعة:
اعلم! ان الكلام انما يكون ذا قوّة وقدرة اذا كان اجزاؤه مصداقا لما قيل:
عِبَاراتُنا شَتى وَحسْنُكَ وَاحِدٌ وَكُلٌّ اِلَى ذَاكَ الْجَمَالِ يُشير
بان تتجاوب قيودات الكلام ونظمه وهيئته، ويأخذ كلٌ بيد الآخر ويظاهره، ويمد كلٌ بقَدَرِه الغرضَ الكليِّ مع ثمراته الخصوصية. كأن الغرض المشترك حوض يتشرب من جوانبه الرطبة، فيتولد من هذه المجاوبة المعاونةَ، ومنها الانتظام، ومنه التناسب، ومنه الحسن والجمال الذاتي. وهذا السر من البلاغة يتلألأ من مجموع القرآن لا سيما في ﴿الـم  ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين﴾ كما سمعتَه مع التنظير بقوله: ﴿ولئن مسَّتهم نفحةٌ من عذاب ربك﴾

(سورة الانبياء:46).

-----------------

(2) (608 - 698هـ) محمد بن سعيد بن حماد بن عبدالله البوصيري المصري. شاعر، حسن الديباجة، مليح المعاني، له ديوان شعر مطبوع، واشهر شعره البردة المشهورة بـ (بردة المديح) (كشف الظنون 1/288 الاعلام 6/139).
(3) وصفة طبية.
(4) ومعرفته الماء تحت الارض (الكشاف).

لايوجد صوت