اشارات الاعجاز | مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَل | 138
(131-154)

الحقيقةَ ولم تثقل عليها ويكون الخيال مثالا للحقيقة متسنبلا عليها. وان شئت الأمثلة الجامعة لتلك الشرائط فعليك بتلك الآيات التمثيلية المذكورة.
المسألة الثانية:
ان السحر البياني اذا تجلى في الكلام صيّر الأعراض جواهرَ والمعانيَ أجساما والجمادات ذواتِ أرواح والنباتاتِ عقلاءَ، فيوقِع بينها محاورة قد تنجرّ الى المخاصمة، وقد تُوصل الى المطايبة فترقص الجمادات في نظر الخيال. وان شئت مثالا فادخل في هذا البيت.
يُنَاجِيني الإِخْلاَفُ مِنْ تَحْتِ مَطْلِهِ فَتَخْتَصِمُ الآمَالُ وَالْيَأْسُ في صَدْرِي(1)
او استمع معاشقة الارض مع المطر في:
تَشَكَّى الاْرْضُ غَيْبَتَهُ اِلَيْهِ وَتَرْشُفُ مَاءَهُ رَشْفَ الرُضاب(2)
فهذه الصورة انما تسنبلت على تصوّت الأرض اليابسة بنزول المطر بعد تأخر. ولابد في كل خيال من نواة من الحقيقة نظير هذا المثال، ولابد في زجاجة كل مجاز من سراج الحقيقة، والاّ كانت بلاغته الخيالية خرافة بلا عرق لا تفيد الاّ حيرة.
المسألة الثالثة:
اعلم! ان كمال الكلام وجماله وحُلته البيانية باسلوبه. واسلوبه صورة الحقائق وقالب المعاني المتخذ من قطعات الاستعارة التمثيلية. وكأن تلك القطعات (سيِمُوطُوغْرَاف)(3) خياليّ؛ كإراءة لفظ (الثمرة) جنتها وحديقتها. ولفظ (بارز) معركة الحرب. ثم ان التمثيلات مؤسسة على سرّ المناسبات بين الأشياء، والانعكاسات في نظام الكائنات، واخطار امور اموراً؛ كإخطار رؤية الهلال في الثريا في ذهن ابناء النخلة غصنَها الأبيض بالقدم المتقوس بتدلي العنقود(4). وفي التنزيل حَتى﴿عادَ كالعُرجُون القديم﴾(سورة يس:39).
-------------------

(1) لإبن المعتز (دلائل الاعجاز ص61) وفي ديوان ابن المعتز: تجاذبنى الاطراف بالوصل والقلى... ص226.
(2) للمتنبي في ديوانه 1/263.
(3) الكتابة المتحركة، اصلها: سينماطوغراف ثم اختصرت الى سينما.
(4) لعل الاستاذ يقصد قول قيس بن خطيم:
وقد لاح في الصبح الثريا لمن رأى كعنقود ملاحيّه حين نوّرا
او قول ابن المعتز:

لايوجد صوت