اشارات الاعجاز | مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَل | 137
(131-154)

ونظمُ المعاني: عبارة عن توخي المعاني النحوية فيما بين الكلمات. اي اذابة المعاني الحرفية بين الكلم لتحصيل النقوش الغريبة. وان أمعنت النظر لرأيت ان المجرى الطبيعيّ للأفكار والحسيات انما هو نظم المعاني. ونظم المعاني هو الذي يشيّد بقوانين المنطق.. وأسلوب المنطق هو الذي يتسلسل به الفكر الى الحقائق.. والفكر الواصل الى الحقائق هو الذي ينفذ في دقائق الماهيات ونسبها.. ونسب الماهيات هي الروابط للنظام الأكمل.. والنظام الأكمل هو الصَدَف للحُسن المجرد الذي هو منبع كل حسن.. والحسن المجرد هو الروضة لأزاهير البلاغة التي تسمى لطائف ومزايا.. وتلك الجنة المزهرة هي التي يجول ويتنزّه فيها البلابل المسمّاة بالبلغاء وعشاق الفطرة.. واولئك البلابل نغماتهم الحلوة اللطيفة انما تتولد من تقطيع الصدى الروحاني المنتشر من أنابيب نظم المعاني.
والحاصل: ان الكائنات في غاية البلاغة قد أنشأها وأنشدها صانعُها فصيحةً بليغة، فكل صورة وكل نوع منها - بالنظام المندمج فيه - معجزة من معجزات القدرة. فالكلام اذا حذا حذو الواقع، وطابق نظمُه نظامَه حاز الجزالة بحذافيرها. والاّ فإن توجَّه الى نظم اللفظ وقعَ في التصنع والرياء كأنه يقع في أرض يابسة وسراب خادع.
والسرّ في الانحراف عن طبيعة البلاغة انه:
لما انجذب واستعرب العجم بجاذبة سلطنة العرب صارت صنعة اللفظ عندهم اهمّ، وفسد بالاختلاط مَلَكة الكلام المُضَريّ التي هي أساس بلاغة القرآن الكريم، وتلون معكس أساليب القرآن الكريم؛ وانما معدنها من حسّيات قوم (مُضَر) ومزاجهم. فاستهوى حب اللفظ كثير من المتأخرين.
تذييل: تزيين اللفظ انما يكون زينة اذا اقتضته طبيعةُ المعاني. وشعشعة صورة المعنى انما تكون حشمةً له اذا أَذِن به المآل. وتنوير الاسلوب انما يكون جزالة اذا ساعده استعدادُ المقصود. ولطافة التشبيه انما تكون بلاغة اذا تأسّست على مناسبة المقصود وارتضى به المطلوب. وعظمةُ الخيال وجولانُه انما تكون من البلاغة اذا لم تؤلم

لايوجد صوت