اشارات الاعجاز | مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَل | 139
(131-154)

ذهن ابناء النخلة غصنَها الأبيض بالقدم المتقوس بتدلي العنقود(4). وفي التنزيل حَتى﴿عادَ كالعُرجُون القديم﴾(سورة يس:39).
ثم ان فائدة اسلوب التمثيل كما في الآيات المذكورة هي: ان المتكلم بواسطة الاستعارة التمثيلية يُظهر العروق العميقة، ويوصل المعاني المتفرقة. واذا وضع بيد السامع طرفاً امكنَ له ان يجرّ الباقي الى نفسه، وينتقل اليه بواسطة الاتصال، فبرؤية بعضٍ يتدرج شيئاً فشيئاً - ولو مع ظلمة - الى تمامه. فمن سمِع من الجوهريِّ ما قال في وصف الكلام البليغ: (الكلام البليغ ما ثقبته الفكرةُ).. ومن الخمّار ما قال فيه: (ما طُبخ في مراجل العلم).. ومن الجمَّال ما قال فيه: (ما اخذتَ بخطامه واَنَخْتَهُ في مَبْرك المعنى) ينتقل الى تمام المقصد بملاحظة الصنعة.
ثم ان الحكمة في تشكل الاسلوب هي: ان المتكلم بارادته ينادي ويوقظ المعانيَ الساكنة في زوايا القلب كأنها حفاة عراة. فيخرجون ويدخلون الخيال، فيلبسون ما يجدون من الصور الحاضرة بسبب الصنعة أو التوغل أو الألفة أو الأحتياج، ولا أقل من لفِّ منديلٍ من تلك الصنعة برأسه، أو الانصباغ بلون مّا. وما تجده في ديباجة الكتب من براعة الاستهلال من اظهر امثلة هذه المسألة.
ثم ان اسلوب الكلام قد يكون باعتبار خيال المخاطَب كما في أساليب القرآن الكريم فلا تنسَ. ثم ان مراتب الاسلوب متفاوتة فبعضها ارقّ من النسيم اذا سرى يرمز اليه بهيئات الكلام. وبعضها اخفى من دسائس الحرب لايشمه الاّ ذو دهاء في الحرب؛ كاستشمام الزمخشري(1) من ﴿مَنْ يُحْيي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾(سورة يس:78)

----------------------

(1) هو ابو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشرى جار الله. ولد بزمخشر سنة 467هـ، توفي بعد رجوعه من مكة المكرمة سنة 538هـ. إمام عصره في اللغة والتفسير، له (الكشاف عن حقائق التنزيل) و (الفائق في غريب الحديث) و (المفصل في النحو) و (اساس البلاغة) وغيرها.

لايوجد صوت