والغضبية والعقلية بحدٍّ فطريّ لتأمين ترقّيهم بزَمْبَرَكِ(2) الجزء الاختياريّ -لا كالحيوانات التي حُددت قواها- حصل انهماك وتجاوز.. ثم لانهماك القوى وتجاوزها - بسر عدم التحديد - تحتاج الجماعة الى العدالة في تبادل ثمرات السعي.. ثم لأن عقل كل احد لايكفي في درك العدالة احتاج النوع الى عقل كلي للعدالة يستفيد منه عقل العموم. وما ذلك العقل الاّ قانون كليّ، وما هو إلاّ الشريعة.. ثم لمحافظة تأثير تلك الشريعة وجريانها لابد من مقننِّ وصاحب ومبلّغ ومرجع، وما هو الاّ النبيّ عليه السلام.. ثم ان النبيّ لادامة حاكميته في الظواهر والبواطن وفي العقول والطبائع يحتاج الى امتياز وتفوق مادةً ومعنى، سيرةً وصورة، خَلْقاً وخُلُقاً. ويحتاج أيضاً الى دليل على قوة المناسبة بينه وبين مالك الملك صاحب العالم، وما الدليل الا المعجزات.. ثم لتأسيس اطاعة الأوامر وتأمين اجتناب النواهي يحتاج الى ادامة تصور عظمة الصانع وصاحب الملك في الاذهان وما هو الا تجلي العقائد.. ثم لادامة التصور ورسوخ العقائد يحتاج الى مذكِّر مكرر وعمل متجدد، وما المذكِّر المكرر الا العبادة.
ومنها: ان العبادة لتوجيه الأفكار الى الصانع الحكيم. والتوجه لتأسيس الانقياد. والانقياد للإِيصال الى الانتظام الأكمل والارتباط به. واتباع النظام لتحقيق سر الحكمة. والحكمة يشهد عليها اتقان الصنع في الكائنات.
ومنها: ان الانسان كالشجر الذي علق على ذروته كثير من خطوط الآلة البرقية، قد التفّت على رأسه رؤوس نظامات الخلقة، وامتدت مشرعة اليه قوانين الفطرة، وانعكست متمركزة فيه اشعة النواميس الالهية في الكائنات. فلابد للبشر ان يتممها ويربطها وينتسب اليها ويتشبث باذيالها ليسري بالجريان العمومي حتى لا يُزلق ولايُطرد ولا يُلقى عن ظهر هذه الدواليب المتحركة في الطبقات. وما هي الا بالعبادة التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي.
--------------------
(2) النابض.