اشارات الاعجاز | يَا اَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خ | 173
(170-191)

ثم ان الاخلاص في العبادة هو: ان تفعل لأنه أُمر بها، وان اشتمل كل أمر على حِكَم، كل منها يكون علة للامتثال، الا ان الاخلاص يقتضي ان تكون العلةُ هي الأمر، فان كانت الحكمةُ علةً فالعبادة باطلة، وان بقيت مرجِّحة فجائزة.



ثم ان المخاطبين لما سمعوا ﴿يا ايها الناس اعبدوا﴾ استفسروا بلسان الحال: ما الحكمة؟ ولِمَ؟ وما المجبورية؟ ولأيّ شئ؟
أما الحكمة فقد سمعت في المقدمة. وأما العلة فأجاب القرآن الكريم باثبات الصانع وتوحيده بقوله: ﴿ربكم الذي خلقكم﴾.. الخ. واثبات النبوّة بقوله: ﴿وان كنتم في ريب مما نزلنا﴾.. الخ.
مقدمة في نكات هذه الآية:
اعلم! ان البرهان إما (لِمّي) وهو الاستدلال بالمؤثر على الأثر. وإما (اِنّيّ) وهو الاستدلال بالأثر على المؤثر، وهذا أسلم(1). وهو إما (إمكانيّ بالاستدلال) بتساوي الطرفين على المرجِّح، واما (حدوثيّ بالاستدلال) بالتحوّل والتبدّل على المُوجِد.. وكل منها اما باعتبار ذوات الاشياء أو باعتبار صفاتها.. وكل منها إما باعطاء الوجود أو بادامة البقاء.. وكل منها إما (دليل اختراعيّ) أو (دليل عنايتيّ). وهذه الآية اشارة الى هذه الأنواع، فالملخص منها هنا، وقد فصلناه في كتاب آخر.
 أما دليل العناية على اثبات الصانع الذي تلوِّح به هذه الآية، هو: (النظام المندمج في الكائنات)؛ اذ النظام خيط نيط به المصالح والحكم. فجميع الآيات القرآنية التي تعد منافع الأشياء وتذكر حِكَمها

---------------

(1) كدلالة النار على الدخان ودلالة الدخان على النار، وهذا اسلم من الشبهات (ت:96)

لايوجد صوت