اشارات الاعجاز | يَا اَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خ | 174
(170-191)

انما هي نسّاجةٌ لهذا الدليل، ومظاهر لتجلِّي هذا البرهان؛ اذ النظام المرعي به المصالح والحكم كما يثبت وجود نظّام، كذلك يدل على قصد الصانع وحكمته وينفي من البين وهمَ التصادف الأعمى والاتفاقية العمياء.
ياهذا! ان لم يحط نظرك بهذا النظام العالي المزيَّن بفصوص الحكَم، ولاتقتدر على الاستقراء التام؛ فانظر بجواسيس الفنون - التي هي الحواس لنوعك - الحاصلة من تلاحق الأفكار - الذي هو في حُكم فكر النوع - لترى نظاماً يبهر العقول، وتعلم ان كلّ فن من فنون الكائنات كشّاف بكلية قواعده عن اتساق وانتظام لايعقل أكمل منهما؛ اذ كل نوع من الكائنات اما تشكّل فيه فن أو يقبل ان يتشكل. والفن عبارة عن قواعد كلية. وكلية القاعدة تدل على حسن النظام؛ اذ ما لانظام له لاتجري فيه الكلية. ألا ترى ان قولنا (كل عالم فهو ذو عمامة بيضاء) انما يصدق كلية، اذا كان في ذلك النوع انتظام. فانتج أن كل فن من الفنون الكونية بسبب كلية قواعده ينتج بالاستقراء التام نظاماً كاملا شاملا، وان كل فن برهان نيّر يشير الى المصالح والثمرات المتدلية كالعناقيد في حلقات سلاسل الموجودات، ويلوِّح الى الحِكَم والفوائد المستترة في معاطف انقلابات الأحوال. فترفع الفنونُ اعلامَ الشهادة على قصد الصانع وحكمته،كأن كل فن نجم ثاقب في طرد شياطين الأوهام.
وان شئت فعليك بهذا المثال مع قطع النظر عن العموم وهو:
ان الحيوان المكروسكوبيّ الذي لا يُرى بالعين بلا واسطة، اشتملت صورته الصغيرة على ماكينة دقيقة بديعة إلهية. فبالضرورة والبداهة ان تلك الماكينة الممكنة في ذاتها وصفاتها ما وجدت بنفسها بلا علة لإمكان ذاتها وصفاتها وأحوالها. والممكن متساوي الطرفين ككفتي الميزان، ولو وجد الترجح لكان في العدم. فباتفاق العقلاء لابد لها من علة مرجِّحة.. ومن المحال ان تكون العلة أسبابا طبيعية؛ اذ ما فيها من النظام الدقيق يقتضي نهاية علم وكمال شعور لايمكن

لايوجد صوت