اشارات الاعجاز | اِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيي اَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما | 238
(235-248)

الكلب ما يشتهيه من العظم.. الخ. لايقال انه فعل بدعة، بل يقال انه أحسن بوضع كل شئ في موضعه. فاذاً كلما كان الممثل حقيراً كان مثاله حقيراً، وان كان عظيماً فعظيماً. ولما كانت الأصنام أدنى الامور سلط الله الذباب على رؤوسها. ولما كانت عبادتها أهون الأشياء جعل الله تعالى نسج العنكبوت عنوانها.
 وثالثة المغالطات: انهم يقولون ما الحاجة الى امثال هذه التمثيلات المومئة الى العجز عن اظهار الحقيقة؟.
الجواب: لما كان المقصد من انزال التنزيل ارشاد الجمهور، والجمهور عوام، والعوام لايرون الحقائق المحضة والمجردات الصرفة عراة عن متخيلاتهم ـ ألبس الله تعالى بلطفه واحسانه الحقائق لباس مألوفاتهم لتحسن الُفتهم كما عرفت في سرّ المتشابهات.
أما نظم الجمل بعض مع بعض، فاعلم! أن ﴿ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها﴾ ردٌّ وطرد لاعتراضات متسلسلة. كأنهم يقولون أية حكمة في مكالمة الله تعالى مع البشر ، وعتابه عليهم، والتشكِّي منهم؛ فانها علامة ان للانسان أيضاً تصرفاً آخر في العالم؛ لاسيما كالمحاورة الجارية بين الناس فانها علامة انه كلام البشر.. ولاسيما يتراءى من خلف الكلام تمثال انسان.. ولاسيما بتصويرات وتمثيلات فانها علامة العجز عن اظهار الحقيقة.. ولاسيما اذا كانت التمثيلات عادية فانها علامة انحصار ذهن المتكلم .. ولا سيما بأمور حقيرة فانها علامة خفة المتكلم.. ولاسيما اذا كانت مما لا اضطرار اليه وكان تركه أولى.. ولاسيما اذا كان بعض تلك الأمور مما يستحي أهلُ العزّة عن البحث عنه.. ولاسيما اذا كان الباحث ذا العظمة والجلال.. فأجاب القرآن هدما لهذه السلسلة من المبدأ الى المنتهى بضربة واحدة فقال ﴿ان الله لايستحيي...﴾ الخ؛ لان جهة الملكوتية لا تنافي العظمة والجلال فلا يتركها ولا يهملها؛ اذ الالوهية تقتضي كذلك. فاذاً يمثَّل بالأمور المحقّرة للمعاني المحقّرة؛ اذ حكمته مع سر البلاغة هكذا تقتضي.. فاذاً يذكر التمثيلات العادية بناء على انها الموافقة للتربية والارشاد. . فاذاً يصوّر الحقائق

لايوجد صوت