اشارات الاعجاز | اِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيي اَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما | 240
(235-248)

الواجب الوجود - بيّن هنا الطريق المقابل الذي هو منشأ الأوهام والتعللات بأن ينظر من طرف نفسه بظلمة الكفر التي تصور كل شئ مظلما مع مرض القلب الذي يثقل به اخفّ وَهْم. ثم يضل طريق الحق ثم يتردد ثم يستفهم ثم ينكر. فالقرآن بالايجاز والكناية أورد - اشارةً الى استفهامهم الانكاري - قوله: ﴿ماذا أراد الله بهذا مثلا﴾ بدل (لايعلمون) مع انه المطابق للسابق ظاهراً.
وان نظم جملة: ﴿يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً﴾ هو: انها جواب عن صورة استفهامهم فلغاية الايجاز نزلت الغاية والعاقبةُ منزلة العلة الغائية كأنهم يسألون ويقولون: لأي شئ كان هكذا؟ ولِمَ لم يكن اعجازه بديهيا؟ ولِمَ لم يكن كونه كلام الله ضرورياً؟ ولِمَ صار معرض الأوهام بسبب هذه الأمثال؟ فأجاب القرآن بقوله: ﴿يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً﴾ أي: لأجل ان من تفكر فيه بنور الايمان ازداد نوراً. ومن تفكر بظلمة الكفر والتنقيد ازداد ظلمة.. وهذا لأجل انه نظريّ ليس بديهياً.. وهذا لأجل تفريق الأرواح الصافية العلوية عن الأرواح الكدرة السفلية.. وهذا لأجل تمييز الاستعدادات العالية بالنشوء والنماء عن الاستعدادات الخبيثة.. وهذا لأجل تمييز الفطرة الصحيحة بالتكمل والمجاهدة والاجتهاد عن الفطرة المتفسخة الفاسدة.. وهذا لأجل ان أمتحان البشر يستلزمه.. وهذا لأجل ان الابتلاء يقتضيه..وهذا لأجل ان سر التكليف لتكميل البشر وسعادته يستلزمه. فأوجز التنزيل في الجواب.
 ان قلت: قد قلت ان التكليف لتأمين سعادة البشر مع انه يكون سببا لوقوع الأكثر في الشقاوة، ولولاه لما صار التفاوت بهذه الدرجة؟.
قيل لك: ان الله تعالى كما كلّف الجزء الاختياريَّ بكسبه تشكيل عالم الأفعال الاختيارية؛ كذلك جعل التكليف سبب اسقاء وانبات البذور الغير المحصورة المودوعة في روح البشر. ولولاه لبقيت الحبوبات يابسة. واذا تأملت في أحوال النوع بنظر نافذ رأيت كل

لايوجد صوت