بتمثيلات - بناء على ما تقتضيه العناية مع التنزلات الالهية .. فاذاً يختار اسلوب محاورة البشر بعض مع بعض بناء على ما تقتضيه الربوبية مع التربية.. فاذاً يتكلم مع الناس بناءً على ماتقتضيه الحكمة مع النظام.
والحاصل: ان الله تعالى لما أودع في الانسان جزءاً اختيارياً وجعله مصدراً لعالم الأفعال، أرسل كلامه لينظم ذلك العالم.
وان نظم جملة ﴿فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم﴾ هو: انه لما ذكر في الأولى المدعى، أشار بهذه الى طريق دليله. وكذا رمز وأومأ الى وجه دفع الأوهام، أي من نظر بنور الايمان ومن جانب الله تعالى ومن جهة قدرته جاعلا حكمته وعنايته وربوبيته نصب العين، علم انه حق وبلاغة. واما من نظر من جانب حضيض نفسه، ومن جهة الممكنات، فلا جرم ستهوي به الأوهام.. ومثلهما كمثل شخصين صعدا منحدراً رأيا جداول ماء. أما أحدهما فيصعد ويرى رأس العين ويذوق فيعلم ان الماء كله عذب؛ فكلما يصادف قطعة ماء من تفرعات الجداول يتفطن - ولو بامارة ضعيفة - انه عذب، فلا تقدر الأوهام ولو قوية على تغليطه. وأما الآخر فيتسفل وينظر من جانب التفرعات ولا يرى منبع العين فيحتاج لمعرفة عذوبة كل قطعة ماء الى دليل قطعي. فأدنى وهمٍ يُورطه في الشبهة. أو كمثال شخصين بينهما مرآة ينظر أحدهما الى الوجه الشفّاف، والآخر الى الوجه الملوّن.
والحاصل: انه لابد في النظر الى صنعه تعالى ان ينظر اليه من جانبه تعالى مع ملاحظة عنايته وربوبيته وليس هذا النظر الا بنور الايمان ولاتكون الأوهام حينئذ - ولو قوية - إلا أوهن من بيت العنكبوت. ولو نظر اليه من جهة الممكنات بنظر المشتري وبفكره الجزئي لقويت في عينه الأوهامُ الضعيفة فيتستر عنه الحقيقةُ كما يمنع جناحُ بعوضةٍ رؤية العين لجبل الجوديّ.
وان نظم جملة: ﴿وأما الذين كفروا..﴾ الخ هو: انه لما ارى طريق فهم حكمة اسلوب التمثيلات - وهي النظر بنور الايمان من جانب