اشارات الاعجاز | اِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيي اَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما | 245
(235-248)

هو المستحسن الذي لا يستقبح بخلاف ما يزعمون اذ السلامة من العيب لاتثبت الكمال.. وان ﴿من ربهم﴾ اشارة الى ان هدف غرضهم انكار النزول.. وان (اما) في (واما الذين كفروا) للتأكيد والتحقيق والتفصيل.. وان ايراد ﴿الذين كفروا﴾ بدل (الكافرين) الأوجز ايماء كما مر الى ان انكارهم يجئ من الكفر ويذهب الى الكفر.. وان ايثار ﴿فيقولون﴾ على (فلا يعلمون) مع انه الظاهر كما مر فلاختيار طريق الكناية للايجاز أي: من كفر لايعرف الحقيقة فينجر الى التردد.. فينجر الى الانكار.. فينجر الى الاستحقار بصورة الاستفهام.. وأيضاً في (يقولون) رمز الى أنهم كما كانوا ضالّين، كذلك كانوا مضلين بأقوالهم.
وأما هيئات جملة ﴿يضل به كثيراً ويهدي به كثيراَ﴾ فاعلم! ان الترتيب يقتضي تقديم الثانية لكن لما كان الغرض ردّ اعتراض المتردِّد المستفهِم المستنكِر المستقبح كان ﴿يضل﴾ أهمّ. أما العدول عن (الضلالة والهداية) المناسبتين للسؤال الى صورة الفعل المضارع فاشارة الى ان كفرهم يتكاثف ظلمة على ظلمة بنسبة تزايد النزول تجدداً؛ كما ان المؤمن يتزايد ايمانه بدرجات النزول نوراً على نور.. وكذا في الفعل - بناء على كونه جوابا - رمز الى بيان حال الفريقين وبيان السبب. وأما ﴿كثيراً﴾ ففي الأُولى كمية وعدداً، وفي الثانية قيمة وكيفية. نعم! ان كرام الناس كثيرون وان قلّوا. فالتعبير بالكثير في الثانية رمز الى سرّ كون القرآن رحمة للبشر(1). تأمل..
وأما جملة ﴿وما يضل به الاّ الفاسقين﴾ فاعلم! انه لما ذكر الكثير في الاولى دفع الوسوسة والخوف والتردد وتهمة النقص في القرآن ببيان: ان الضالين من هم؟ وان منشأ الضلالة فسقهم، وان سببها كسبهم، وان القصور منهم لا من القرآن، وان خلق الضلالة جزاء لفعلهم..
ثم اعلم! ان كل واحدة من هذه الجمل كما انها كشّافة لسابقتها؛ كذلك مفسَّرة بلاحقتها كأنها دليل للسابقة نتيجة للاحقة.

--------------

(1) اِذ من لطف القرآن وشمول رحمته للناس اظهار فضائل المهتدين القليلين كثيرةً، وبيان ان صاحب فضلية وهداية اولى من الفٍ من المحرومين منها، لذا فالكرام كثيرون وان قلّوا (ت:196)

لايوجد صوت