اشارات الاعجاز | وَاذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلئِكَةِ اِنِّي جَاعِلٌ ف | 270
(269-276)

اعلم - كما مر - ان الحياة هي الكشافة للموجودات بل هي النتيجة لها، فاذاً كيف تخلو هذه الفضاء الوسيعة من ساكنيها وتلك السموات من عامريها. ولقد أجمع العقلاء إجماعا معنويا - وان اختلفوا في طرق التعبير - على وجود معنى الملائكة وحقيقتهم، حتى ان المشّائيين عبّروا عنهم بالماهيات المجرَّدة الروحانية للأنواع، والاِشْراقِيّين عبّروا عنها بالعقول وأرباب الأنواع، وأهل الأديان بملَك الجبال وملَك البحار وملك الامطار مثلا. حتى ان الماديين الذين عقولهم في عيونهم لم يتيسر لهم انكار معنى الملائكة بل نظروا اليهم في القوات السارية في نواميس الفطرة.
 فان قلت: أفلا يكفي لارتباط الكائنات وحيويتها هذه النواميس وتلك القوانين الجارية في الخلقة؟
 قيل لك: ما تلك النواميس الجارية والقوانين السارية الا أمور اعتبارية بل وهمية لا يتعين لها وجود ولا يتشخص لها هُويّة الا بممثِّلاتها ومعاكسها ومَنْ هو آخذ برأس خيوطها وان هي إلاّ الملائكة.. وأيضاً قد اتفق الحكماء والعقل والنقل على عدم انحصار الوجود في عالم الشهادة الظاهر الجامد الغير الموافق لتشكل الأرواح. فعالم الغيب المشتمل على عوالم - الموافق للأرواح كالماء للسِماك - مشحون بها(1)، مظهرٌ لحياة عالم الشهادة.. فاذا شهدت لك هذه الأمور الأربعة على وجود معنى الملائكة فأحسن صور وجودهم التي ترضى بها العقول السليمة ماهو إلاّ ماشرحه الشرع من انّهم عباد مكرمون لا يخالفون مايؤمرون، وكذا انهم أجسام لطيفة نورانية ينقسمون إلى أنواع مختلفة.
المقام الثالث:
اعلم ان مسألة الملائكة من المسائل التي يتحقق الكل بثبوت جزء واحد، ويُعلم النوع برؤية أحد الأشخاص، اذ من أنكر أنكر الكلَّ. ثم كما انه محال عندك - ايقظك الله - أن يجمع أهل كل الأديان في كل

----------------------

(1) اى بالملائكة.

لايوجد صوت