اشارات الاعجاز | وَاذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلئِكَةِ اِنِّي جَاعِلٌ ف | 273
(269-276)

الملائكة أي ربّاك وكمّلك وجعلك مرشداً للبشر لإزالة فسادهم أي (انت الحسنة الكبرى التي ترجحت وغطت على تلك المفاسد).. وان ﴿للملئكة﴾ اشارة في هذه المقاولة الكائنة على صورة المشاورة الى ان لسكان السموات أعني الملائكة مزيد ارتباط وعلاقة وزيادة مناسبة مع سكان الأرض أعني البشر. فان من اولئك موُكلين وحَفَظة وكَتَبَة على هؤلاء فحقّهم الاهتمام بشأنهم. وان (ان) بناء على كونها لرد التردد المستفاد من (أتجعل) اشارة الى عظمة المسألة وأهميتها. وان ياء المتكلم وحده هنا مع (نا) للمتكلم مع الغير في (قلنا) في الآيات الآتية اشارة الى ان لا واسطة في ايجاده وخلقه كما توجد في خطابه وكلامه. ومما يدل على هذه النكت آية ﴿انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اريك الله﴾(سورة النساء:105) فقال (انزلنا) بنون العظمة لوجود الواسطة في الوحي وقال (أريك الله) مفرداً لعدم الواسطة في إلهام المعنى. وان ايثار ﴿جاعل﴾ على (خالق) اشارة الى ان مدار الشبهة والاستفسار الجعل(1). والتخصيص لعمارة الأرض لا الخلق والايجاد، لأن الوجود خير محض والخلق فعله الذاتيّ لا يُسأل عنه. وان ايثار (في) في ﴿في الأرض﴾ على (على) مع ان البشر على الأرض لايخلو من الايماء الى ان البشر كالروح المنفوخ في جسد الأرض، فمتى خرج البشر خربت الأرضُ وماتت. وان ﴿خليفة﴾ اشارة الى انه قد وجد قبل تَهئ الأرض لشرائط حياة الإنسان مخلوقٌ مُدْرِك ساعدت شرائطَ حياته الادوارُ الأوّليةُ للأرض وهذا هو الأوفق لقضية الحكمة. والمشهور ان ذلك المخلوق المُدْرِك كان نوعا من الجن فأفسدوا فاستُخلفوا بالإِنسان.
اما هيئات جملة ﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ فاعلم! ان استيناف ﴿قالوا﴾ اشارة الى ان توجيه خطابه تعالى الى

--------------

(1) اي جعل البشر وتخصيصه لعمارة الارض (ت:230).

لايوجد صوت