اشارات الاعجاز | وَاذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلئِكَةِ اِنِّي جَاعِلٌ ف | 274
(269-276)

الملائكة يلجئ السامع الى السؤال بـ(كيف يتلقّون جيرانهم بيتَ بيتَ وأيرضون بهم قرناء وما رأيهم فيهم؟) فقال: (قالوا). وان وجه كونه جزاء لـ(اذ) هو: ان حكم الله تعالى بجعل البشر خليفة في الأرض - التي وكّل عليها الملائكة - مع انه لا مشير له تعالى ولا وزير يستلزم اظهار كيفية تلقيهم لهم. وان صورة القول اشارة الى اسلوب المقاولة على صورة المشاورة لتعليم الناس مع تنزهه تعالى عنها. وان استفهام ﴿أتجعل﴾ فلتحقق الجعل باخباره تعالى تمتنع حقيقتُه فيتولد منه التعجب الناشئ عن خفاء السبب فيتولد منه الاستفسار - أي ما حكمة الجعل؟ فاستفهم عن المسبب بدلا عن السبب وليس للإِنكار لعصمتهم(2). وان الجعل رمز الى ان شؤون البشر ونسبه الاعتبارية ووضعياته ليست من لوازم الطبيعة ولا من ضروريات الفطرة بل كل منها بجعل الجاعل. وان ﴿فيها﴾ مع (فيها) مع قصر المسافة فللتنصيص والايماء الى معنى: ما حكمة جعل البشر روحا منفوخا في جسد الأرض لحياتها مع وجود الفساد والاماتة من حيث الأحياء؟. وان التعبير بـ﴿مَنْ﴾ اشارة الى انه لا يعنيهم شخصية البشر وانما يثقل عليهم عصيان مخلوق لله تعالى. وان ايراد ﴿يفسد﴾ بدل (يعصي) اشارة الى ان العصيان ينجر الى فساد نظام العالم. وان صورة المضارع اشارة الى ان المستنكر تجدد العصيان واستمراره. وقد علموا ذلك اما باعلامه تعالى أو بمطالعة اللوح أو بمعرفة فطرتهم من عدم تحديد القوى المودعة فيهم. فبتجاوز الشهوية يحصل الفساد وبتعدي الغضبية ينشأ السفك والظلم. و﴿فيها﴾ أي مع أنها كانت مسجداً اُسس على التقوى. وان موقع (الواو) الجمع بين الرذيلتين بمناسبة انجرار الفساد الى سفك الدم. وان ايثار ﴿يسفك﴾ على (يقتل)

-----------------------

(2) ان القصد من استفهام الملائكة ليس اعتراضاً على الجعل، اذ تحقق باخباره تعالى، ولانهم لا يعصون الله ما امرهم، وانما هو استفسار عن حكمة الجعل، وذلك لخفاء السبب عنهم (ت:232).

لايوجد صوت