اشارات الاعجاز | وَاذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلئِكَةِ اِنِّي جَاعِلٌ ف | 272
(269-276)

وجوده للعبادة والتقديس له تعالى؟ فأشارت هذه الى ان تلك الشرور والمفاسد تُغتفر في جنب السرّ المُودع فيه، وان الله غني عن عبادته اذ له تعالى من الملائكة المسبِّحين والمقدِّسين ما لا يحصر بل لحكمة في علم علاّم الغيوب.
وأما نظم الجمل بعضها مع بعض فهو:
ان الآية تنصبُّ بناء على اقتضاء (اذ) رديفا لها، وعطفه على ﴿وهو بكل شيء عليم﴾ - إلى تقدير(1) إذ خلق ما خلق منتظما متقنا هكذا ﴿واذ قال ربك للملئكة﴾ الخ، وانه تعالى لما خاطب مع الملائكة - ليستفسروا سرّ الحكمة ولتعليم طريق المشاورة قائلا ﴿اني جاعل في الأرض خليفة﴾ - توجه ذهن السامع بسرّ المقاولة الى ما (قالوا)؟ وبسرّ الاستفسار عن حكمته مع التعجب الى ﴿أتجعل فيها﴾؟ وبسر استخلافهم عن الجن المفسدين مع توديع القوة الغضبية والشهوية فيهم أيضا الى ﴿من يفسد فيها﴾ بتجاوز القوة الثانية ﴿ويسفك الدماء﴾ بتجاوز القوة الأولى. ثم بعد تمام السؤال والاستفسار والتعجب ينتظر ذهن السامع لجوابه تعالى. فقال: ﴿قال اني اعلم مالا تعلمون﴾ أي فالأشياء ليست منحصرة في معلوماتكم. فعدم علمكم ليس امارة على العدم، واني حكيم، لي فيهم حكمة يغتفر في جنبها فسادهم وسفكهم.
أما نظم هيئات جملة جملة، فاعلم! ان الواو في ﴿واذ قال ربك للملئكة اني جاعل في الأرض خليفة﴾ وكذا في ﴿واذ قال ربك للملئكة اني خالق بشراً من صلصال﴾(سورة الحجر:28) في آية أخرى بسر المناسبة العطفية اشارة الى (اذ واذ) كما مر. وكذا - بسر ان الوحي يتضمن (ذَكِّرهُمْ بِذَلِكَ) اشارة الى (واذكر لهم اذ) الخ..
وان ﴿اذ﴾المفيد للزمان الماضي لتسيير الأذهان في الأزمنة المتسلسلة الماضوية ورفع وجلب واحضار لها الى ذلك الزمان لتنظره فتجتني ما وقع فيه.. وان ﴿ربك﴾ اشارة الى الحجة على

--------------------------------

(1) وذلك لعدم وجود علاقة بين الآيتين (ت:228).

لايوجد صوت