اشارات الاعجاز | وَعَلَّمَ ادَمَ الاْسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُم | 279
(277-287)

وتحضرها اليك قبل ان يرتد اليك طرفك، وفيما أبدعه فكر البشر من الآلات الناطقة بما تتكلم، وفي استخدامه لأنواع الطيور والحمامات وقس عليها، لترى بين هذين القسمين ملاءمة يحق بها ان يقال في هذه رموز الى تلك.
وكذا تأمل في خاصية المعجزة الكبرى التي هي خاصية الناطقية التي هي خاصية الانسانية وهي الأدب والبلاغة، ثم تدبر في ان أعلى ما يربِّي روح البشر وألطف ما يصفِّي وجدانه وأحسن ما يزيِّن فكره وأبسط ما يوسِع قلبه انما هو نوع من الأدبيات. ولأمر مّا ترى هذا النوع أبسط الفنون وأوسعها مجالا وأنفذها وأشدها تأثيراً وألصقها بقلوب البشر حتى كأنه سلطانها. فتأمل!..
ثم ان لهذه الآية أيضا الوجوه الثلاثة النظمية:
أما نظم مآلها بسابقتها فمن وجوه أربعة:
الأول: ان التنزيل لما ذكر في الآية الأولى في بيان حكمة خلقة الانسان ما هو اوّل الاجوبة وأولاها وأعمها للكل وأيسرها وأسهلها اقناعاً وأجملها اجمالا وأوجزها، بيّن بهذه الآية جوابا تفصيليا يطمئن به العوام والخواص.
والثاني: انه لما صرح في تلك بمسألة الخلافة للبشر برهن بهذه على تلك الدعوى بمعجزة ذلك النوع في مقابلة الملائكة.
والثالث: انه لما أشار بتلك الى ترجح البشر على الملَك رمز بهذه الى لِميّة الرجحان.
والرابع: انه لما لوّح بها الى مظهرية هذا النوع للخلافة الكبرى في الأرض لمح بهذه احتجاجا عليها الى ان الانسان هو النسخة الجامعة والمظهر الاتمّ لكل التجليات لتنوع استعداداته وتكثر طرف استفاداته وعلمه فيحيط بالكائنات بحواسه الخمس الظاهرة والباطنة لا سيما بوجدانه الذي لا قعر له. أفلا تراه يعلم أمثال حلاوة العسل بوجهين بل بوجوه خلاف الملَك فتأمل!

لايوجد صوت