ففي ديار الماضي كان السائد في الاغلب هو: القوة، والهوى، والطبائع، والميول، والاحاسيس، لذا فان احدى سيئاته انه كان هناك في كل امر من اموره - ولو بصورة عامة - تحكّم واستبداد وظهور محبة شخص على حساب خصومة آخر.. وغلبة خصومة مسلك الآخرين على محبة مسلكه.. ومداخلة الالتزام والتعصب.. والانحياز المانع عن كشف الحقيقة.
حاصل الكلام:
لما كانت الميول متفاوتة فان تدخل الشعور بالانحياز في كل شئ، ونشوء التبلبل بالاختلافات جعل الحقيقة تهرب وتختفي.
ثم ان من سيئات استبداد الاحاسيس: تأسس المسالك والمذاهب غالباً على التعصب.. وتضليل الاخرين، او على السفسطة.. بينما هذه الثلاثة مذمومة في نظر الشرع، منافية للاخوة الاسلامية، مفرقة للانتساب الجنسي (الانساني) مخالفة للتعاون الفطري لدرجة ان احد هؤلاء يضطر في النهاية الى تبديل مذهبه ومسلكه دفعةً، مصدقاً اجماع الناس وتواترهم تاركاً التعصب والسفسطة. بينما اذا ما عمل ابتداءً بالحق بدلاً من التعصب، وبالبرهان بدلاً من السفسطة، وبالتوفيق والتطبيق بدلاً من تضليل الاخرين، وطبّق الشورى، فلا يمكن ان يبدّل مذهبه ومسلكه الحق ولو بجزء منهما حتى لو اتفقت الدنيا عليه.
ولما كان المهيمن هو الحق والبرهان والعقل والشورى في خير القرون وعصور السلف الصالح، لم يك للشكوك والشبهات موضع. كذلك نرى انه بفضل انتشار العلوم في الوقت الحاضر وهيمنتها بصورة عامة وفي المستقبل هيمنة تامة ان شاء الله سيكون المهيمن هو الحق بدلاً من القوة، والبرهان بدلاً من التعصب والسفسطة، والحمية بدلاً من الاحاسيس المادية، والعقل بدلاً من الطبع، والهدى بدلاً من الهوى كما كان الحال في القرون الاولى والثانية والثالثة وحتى الى القرن الخامس عامة. اما بعد القرن الخامس الى الان فقد غلبت القوةُ الحقَ.
ومن محاسن سلطان الافكار ان تخلصت شمس الاسلام مما كان يحجبها من غيوم الاوهام والخيالات. بل اخذت كل حقيقة منها بنشر نورها، حتى المتعفنين في مستنقع الالحاد أخذوا يستفيدون من ذلك النور.