محاكمات | عنصر العقيدة | 104
(91-136)

اشارة: فلو اخذت آثار احد من الناس بنظر الاعتبار في محاكمة عقلية، يجب اخذ خاصته ايضاً. ولكن لانه لم تؤخذ هذه القاعدة في هذه المسالة، فقد نظر اليها من خلال عجز العبد تحت ستار القياس التمثيلي لقدرة الممكنات. بينما نرى في تكوين العالم ان الله سبحانه وتعالى يخلق قسماً من الممكنات بالابداع - اي بدون مادة - وقسماً آخر بالاختراع - أي ينشؤه من المادة - وهكذا بث في الوجود هذه الآثار المعجزة الباهرة، واظهر قدرته المطلقة بجلاء.
فالانسان اذا صرف نظره عن هذا، ورأى الغائب بصورة الشاهد بقياس خادع او وضع ابناء جنسه في المحاكمة العقلية، اي لو نظر الى واجب الوجود من هذه الزاوية المحددة، توهم ان كثيراً من الامور المعقولة التي يستصوبها العقل السليم غير معقولة.
فلو صرفنا النظر عن المخترعات، فان القوانين العجيبة للضوء - وهو نور عين العالم وانور المصنوعات - ونواميسه البديعة المصغرة في بصر الانسان في ترسيماتها على شبكيته التي اعيا على العقول حلها.. اقول اذا قيست هذه التي تُعد بعيدة عن العقل بكمال القدرة الالهية لرآها الانسان مأنوسة مألوفة وبين اهداب عين العقل وبصره.
وكما ان النظريات تستنتج من الضروريات، كذلك ضروريات آثار الله وصنعته دليل،اي دليل، على مخفيات صنعته. وكلاهما معاً يثبتان هذه المسألة.
فهل يمكن ان يتصور العقل ادق واعجب واغرب من صنعة الله في نظام العالم، وابعد من جنس الممكنات وقدرتها؟ لاشك لايتصور، لأن الحكم والفوائد التي بينتها العلوم تشهد بالضرورة على قصد الصانع وصنعته وحكمته. حتى اضطرت العقول الى قبولها. والاّ فالعقل بمفرده لايقبل اصغر حقيقة من هذه البديهيات.
نعم! ان الذي حمل الارض ورفع السموات بغير عمد وسخر الاجرام وادخل الموجودات تحت نظام، فلا يعصونه في امره كيف يُستغرب منه ان يحمل ما هو اخف واسهل بدرجات لا تقدر.
نعم ان الشك في قدرة من يرفع الجبل عن ان يرفع صخرة ليس الاّ سفسطة.
الحاصل: كما ان القرآن يفسر بعضه بعضاً، كذلك سطور كتاب العالم يفسّر ماوراءه من اتقان وحكمة.

لايوجد صوت