محاكمات | عنصر العقيدة | 102
(91-136)

فالبدوي الذي لم ير الحضارة، اذا ما شاهد حركات الجنود في طابور، حركة مطردة واطواراً منسقة واحوالاً مرتبطة، ظن ان هؤلاء الافراد العديدين أو الهيئة العسكرية مرتبط بعضهم ببعض بحبل معنوي!
أو أن شخصاً عامياً أو ذا طبع شاعري، تراه يتصور النظام الذي يربط الناس بعضهم ببعض موجوداً معنوياً، أو يتصور ان الشريعة خليفة روحانية، وهكذا يغالى من يتصور الشريعة الفطرية الالهية المتعلقة باحوال الكائنات، انها الطبيعة، تلك الشريعة التي لم تخرق الاّ تكريماً للانبياء وتصديقاً للاولياء اذ هي مستمرة دائمة. فكيف لاتتجسم الاوهام على هذا النمط من التصورات؟
كما ان استماع الانسان وتكلمه وملاحظته وتفكره جزئية تتعلق بشئ فشئ على سبيل التعاقب، كذلك همته جزئية لا تشتغل بالاشياء الاّ على سبيل التناوب فبوساطة التعاقب يتعلق بشئ فحسب وينشغل به.
ثم ان قيمة الانسان بنسبة ماهيته، وماهيته بدرجة همته، وهمته بمقدار اهمية المقصد الذي يشتغل به.
ثم ان الانسان الى أي شئ توجّه يفنى فيه، وينحبس عليه، وكأنه يكون مصداق: "الفناء في المقصد" فبناء على هذه النقطة ترى الناس -في عرفهم- لايسندون شيئاً خسيساً وأمراً جزئياً الى شخص عظيم، بل الى الوسائل، ظناً منهم ان الاشتغال بالأمر الخسيس لا يناسب وقاره، وهو لا يتنـزل له، ولايسع الامر الحقير همته العظيمة، ولايوازن الامر الخفيف مع همته العظيمة.
ثم ان من شأن الانسان اذا تفكر في شئ، يتحرى مقاييسه واسسه في نفسه، وان لم يجدها ففيما حوله وفي ابناء جنسه. حتى انه اذا تفكر في واجب الوجود المنـزّه عن الشبه بالممكنات، تلجئه قوته الواهمة لأن يجعل هذا الوهم السئ المذكور دستوراً، والقياس الخادع منظاراً، مع ان الصانع جل جلاله لا يُنظر اليه من هذه النقطة، اذ لا انحصار لقدرته. لأن قدرته وعلمه وارادته جل جلاله كضياء الشمس -ولله المثل الاعلى- شاملة لكل شئ، وعامة لكل أمر، فكما تتعلق باعظم شئ تتعلق بأصغره واخسه. فمقياس عظمته تعالى وميزان كماله سبحانه مجموع آثاره، لا كل جزء منه، اذ لا يصلح ان يكون مقياساً.

لايوجد صوت