محاكمات | عنصر العقيدة | 99
(91-136)

ولما كان لكل نوع آدم وجدّ اكبر، فالوهم الباطل الناشئ من التناسل في سلسلة كل نوع لايسري الى اولئك الادميين والاجداد الاوائل. اذ إن الفلسفة وعلم الجيولوجيا وعلم الحيوان والنبات، يشهد أن الانواع التي يزيد عددها على مئتي ألف نوع، كل منها له مبدأ وأصل معين، وجدّ اكبر، بمثابة آدم لذلك النوع، وكل مبدأ منها قد حدث حدوثاً مستقلاً عن غيره. وكل فرد من هذه الانواع الوفيرة كأنه ماكنة بديعة عجيبة تبهر الأفهام، فلا يمكن ان تكون القوانين الموهومة الاعتبارية والاسباب الطبيعية العمياء الجاهلة، موجدة لهذه السلاسل العجيبة من الافراد والانواع،بل هي عاجزة عجزاً مطلقاً عن ايجادها.. اي أن كل فرد، وكل نوع، يعلن بذاته أنه صادر صدوراً مستقلاً عن يد القدرة الالهية الحكيمة.
نعم ! ان الصانع الجليل قد ختم في جبهة كل شئ ختم الحدوث والامكان.
ان اعطاء احتمال تشكل الانواع من أزلية المادة وحركة الذرات العشوائية، وغيرها من الامور الباطلة، إنما هو لمجرد اقناع النفس بشئ آخر غير الايمان بالله، ولاينشأ هذا الاحتمال الاّ من عدم الادراك، ومن فساد الفكر، بالنظر السطحي العابر. ولكن ما ان قصدَ الانسان وتوجّه بالذات الى اقناع نفسه، فلابد أنه سيقف على محالية الفكرة وبُعدها عن المنطق والعقل. ولو اعتقدها، فلا يعتقد الاّ اضطراراً بالتغافل عن الخالق سبحانه.
ان الانسان - المكرم من حيث جوهر انسانيته - يبحث دوماً عن الحق، ويتحرى الحقيقة دائماً، وينشد السعادة على الدوام. ولكن اثناء بحثه عن الحق يعثر على الباطل والضلال دون ان يشعر، واثناء تنقيبه عن الحقيقة يقع الباطل على رأسه بلااختيار منه أي كلما خاب في الحصول على الحق ويئس من وجدان الحقيقة قَبل مضطراً أمراً محالاً وغير معقول، يقبله بالنظر السطحي والتبعي، مع أنه يعرف يقيناً بفطرته الاصلية ووجدانه وفكره انه محال.
خذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار وضعها نصب العين:
ان ما يتوهمونه من أزلية المادة والحركة، من جراء تغافلهم عن نظام العالم.. وما يتخيلونه من مصادفة عشواء في الصنعة البديعة التي تبهر العقول.. وما يعتقدونه من تأثير حقيقي للاسباب الجامدة، رغم شهادة جميع الحِكَم على عدم

لايوجد صوت