ان جميع الآيات الكريمة التي تعدد منافع الاشياء، تومئ الى هذا الدليل وينظم هذا البرهان.
وزبدة هذا الدليل: رعاية المصالح والحكم في نظام العالم الاكمل. مما يثبت قصْد الصانع وحكمته وينفي وهْمَ المصادفة.
مقدمة
على الرغم من أن كل انسان لا يستطيع ان يستقرئ استقراءً تاماً رعاية المصالح والانتظام في العالم ولا يمكنه ان يحيط بها، فقد تشكل - بتلاحق الافكار في البشرية عامة - علمٌ يخص كل نوع من انواع الكائنات، ذلك العلم ناشئ من القواعد الكلية المطردة في الكون، وما زالت العقول تكشف عن علوم اخرى.. وحيث أن الحكم لا يجري بكليته في ما لا نظام فيه، فكلية القاعدة اذن دليل على حسن انتظام النوع.. فبناء على كلية القاعدة هذه غدا كل علم من علوم الاكوان برهاناً على النظام الاكمل في العالم بالاستقراء التام.
نعم! ان اظهار المصالح المتعلقة بسلسلة الموجودات بوساطة العلوم، وبيان فوائد الثمرات المتدلية منها، وابراز الحكم والفوائد المنتشرة ضمن تلافيف انقلابات الاحوال.. يشهد شهادة صادقة على قصد الصانع الحكيم، ويشير اليه، ويطرد شياطين الاوهام كالنجم الثاقب.
اشارة: اذا جردت نفسك من حجاب الألفة التي هي سبب الجهل المركب، والتي تنشئ لدى الانسان النظر السطحي العابر.. وافرغت نفسك من محاولة إلزام الخصم، بعدم الانصياع الى الحق ليس الاّ، تلك المحاولة التي تلقح الاوهام والشكوك وتسد الطريق الى العقل.. ونظرتَ الى حيوان صغير لا يرى الاّ بالمجهر، ورأيت ما تشف تلك الماكنة الصغيرة الدقيقة، الماكنة الالهية البديعة، عن وجود منتظم متناسق فيه، فلا تستطيع ان تقنع نفسك وتطمئنها، الى أن هذه الآلات الدقيقة ناشئة من مصنع الاسباب الطبيعية الجامدة التي لا شعور لها ولا حدّ لمجالها ولا اولوية لإمكاناتها، الاّ اذا استطعت من رفع المحالات الناشئة