﴿إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾(العصر :3)
سنبين حكمة "الاطلاق" فقط. فالقرآن الكريم يترك "الصالحات" مطلقة دون قيد يقيدها، ومبهمة دون ان يشخصها، وذلك:
ان الفضائل والاخلاق، وكذا الحسن والخير، اغلبها امور نسبية، تتغير كلما عبرت من نوع الى آخر، وتتباين كلما نزلت من صنف الى صنف، وتختلف كلما بدّلت مكاناً بمكان، وتتبدل باختلاف الجهات، وتتفاوت ماهيتها كلما علت من الفرد الى الجماعة ومن الشخص الى الامة.
فمثلاً: الشجاعة والكرم في الرجل تدفعانه الى النخوة والتعاون، بينما تسوقان المرأة الى النشوز والوقاحة وخرق حقوق الزوج.
ومثلاً: ان عزة النفس التي يشعر بها الضعيف تجاه القوي، لو كانت في القوي لكانت تكبّراً، وكذا التواضع الذي يشعر به القوي تجاه الضعيف، لو كان في الضعيف لكان تذللاً.
ومثلاً: ان جدّية ولي الامر في مقامه وقارٌ، بينما لينُه ذلة. كما ان جديّته في بيته دليل على التكبر، ولينه دليل على التواضع.
ومثلاً: ان تفويض الامر الى الله في ترتيب المقدمات كسل، بينما في ترتّب النتيجة توكل. كما ان رضا المرء بثمرة سعيه وقسمته قناعة، يقوي فيه الرغبة في السعي، بينما الاكتفاء بالموجود تقاصر في الهمة.
ومثلاً: ان صفح المرء - عن المسيئين - وتضحيته بما يملك، عملٌ صالح، بينما هو خيانة ان كان متكلماً عن الغير - باسم الجماعة - وليس له ان يتفاخر بشئ يخصّه، ولكن يمكنه ان يفخر باسم الامة من دون ان يهضم حقها.