هناك آيات كريمة واحاديث نبوية شريفة وردت بصورة مطلقة الا انها عُدّت كلية، وهناك اخرى منتشرة مؤقتة الا انها عدّت دائمة وهناك اخرى مقيدة الا انها اعتبرت عامة.
فمثلاً: ورد بهذا المعنى: ان هذا الشئ كفر. اي لم تنشأ هذه الصفة من الايمان، اي انها صفة كافرة. ويكون ذلك الشخص قد كفر لهذا السبب. ولكن لايقال: انه كافر. ذلك لانه يملك صفات اخرى بريئة من الكفر قد نشأت من الايمان، فهو اذن يحوز اوصافاً اخرى نابعة من الايمان، الاّ اذا عُلم يقيناً ان تلك الصفة قد نشأت من الكفر، لانها قد تنشأ من اسباب اخرى. ففي دلالة الصفة شك، وفي وجود الايمان يقين. والشك لايزيل اليقين. فينبغي للذين يجرأون على تكفير الآخرين بسرعة، ان يتدبروا!
الجملة الثانية:
﴿ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعاً﴾
الاحياء باعتبار المعنى الظاهري المجازي يبين دستور تضاعف الحسنات تضاعفاً غير محدود. ولكن بمعناه الاصلي، رمز الى قطع دابر الشرك والاشتراك من الاساس في الخلق والايجاد. لان التشبيه الموجود في هذه الجملة وفي الآية الكريمة ﴿ما خلقكم ولا بعثكم الاّ كنفس واحدة﴾(لقمان:28) يفهّم معنى الاقتدار. فالتشبيهان يستلزمان حسب القاعدة المنطقية "عكس النقيض": من لا يقتدر على احياء الناس جميعاً لا يقتدر على احياء نفس واحدة.
بمعنى ان الآية الكريمة تدل اشارة الى هذا المعنى:
ما دامت قدرة الانسان - والممكنات - غير مقتدرة بالبداهة على خلق السموات والارض فلا يمكن ان تخلق شيئاً ابداً ولو حجرة واحدة.
بمعنى ان من لا يملك قدرة قادرة على تحريك الارض والنجوم والشموس كلها كتحريك خرز المسبحة وتدويرها، ليس له ان يدّعى الخلق والايجاد في الكون قطعاً.
اما ما يصنعه البشر ويتصرف فيه، فانما هو كشف لجريان النواميس الإلهية في الفطرة، وانسجام معها واستعمالها لصالحه.
فالى هذا الحد من الوضوح البيّن في البرهان وسطوعه انما هو من شأن اعجاز القرآن. والآية الكريمة الآتية تثبت ذلك:
﴿ما خلقكم ولا بعثكم الاّ كنفس واحدة﴾