وبعد مضي حوالي شهرين وانا اعيش في ذلك الامل لنعيش معاً حياة دنيوية سعيدة.. اذا بي أفاجأ بنباً وفاته، فيا اسفاه.. وياحسرتاه.. لقد هزّني هذا الخبر هزاً عنيفاً، حتى انني لاازال تحت تأثيره منذ خمس سنوات، واورثني حزناً شديداً وألماً عميقاً للفراق المؤلم يفوق ما كنت اعانيه من ألم الاسر المعذّب وألم الانفراد والغربة الموحشة وألم الشيخوخة والمرض.
كنت اقول: ان نصف دنياي الخاصة قد إنهدَّ بوفاة أمي، بيد اني رأيت ان النصف الاخر قد توفي ايضاً بوفاة عبدالرحمن، فلم تبق لي اذن علاقة مع الدنيا.. نعم لو كان عبدالرحمن يظل معي في الدنيا لا صبح محوراً تدور حوله وظيفتي الاخروية في الدنيا ولغدا خير خلف لي، ولحلّ مكاني من بعدي، ولكان صديقاً وفياً بل مدار سلوان لي وأنس، ولبات اذكى تلميذ لرسائل النور، والامين المخلص المحافظ عليها.. فضياع مثل هذا الضياع – باعتبار الانسانية – لهو ضياع محرق مؤلم لأمثالي. ورغم انني كنت ابذل الوسع لأتصبر وأتحمل ما كنت اعانيه من الآلام الاّ أنه كانت هناك عاصفة قوية جداً تعصف باقطار روحي، فلولا ذلك السلوان النابع من نور القرآن الكريم يفيض عليّ احياناً لما كان لمثلي ان يتحمل ويثبت.
كنت أذهب واسرح في وديان (بارلا) واجول في جبالها وحيداً منفرداً واجلس في اماكن خالية منعزلة، حاملاً تلك الهموم والآلام المحزنة، فكانت تمر من امامي لوحات الحياة السعيدة ومناظرها اللطيفة التي كنت قد قضيتها مع طلابي – امثال عبدالرحمن – كالفلم السينمائي. فكما مرّت تلك اللوحات امام خيالي، سلبت من شدة مقاومتي وفتّ في عضدي، سرعة التأثر النابعة من الشيخوخة والغربة.