ثم تدعو الجبال والصحارى ذلك المسافر المستغرق في السياحة الفكرية قائلة: (ألا تقرأ صحيفتنا ايضاً ؟) .. فهو بدوره يحدق النظر، ويرى:
ان وظائف الجبال الكلية، وفوائدها العامة هي من العظمة والحكمة مما يُحير العقول.
فمثلاً: بروز الجبال واندفاعها من الارض بأمر رباني يهدئ هيجان الارض ويخفف من غضبها وسخطها وحدتها الناجمة من تقلباتها الباطنية، ويدعها تتنفس مستريحة بفوران تلك الجبال ومن خلال منافذها، فتتخلص بذلك من الزلازل المهلكة والتصدّعات المدمّرة، فلا تعد تسلب راحة الآمنين من سكنتها. وكما يُنصب على السفن الاعمدة والاوتاد حفاظاً على توازنها ووقايتها من التزعزع والغرق، كذلك الجبال هي اوتاد ذات خزائن لسفينة الارض، تقيها من الزلزال وتُثبتها وتحفظ توازنها. وقد بيَّن القرآن الكريم هذا المعنى في آيات كثيرة منها:
﴿والجبال اوتاداً﴾(النبأ: 7) ﴿وألقينا فيها رواسي﴾(الحجر: 19) ﴿والجبال أرساها﴾(النازعات: 32).
ومثلاً: ان ما في جوف الجبال من أنواع الينابيع والمياه والمعادن والمواد والادوية التي يحتاج الى كل منها ذوو الحياة، قد أدخرت بحكمة، وأحضرت بكرم، وخزنت بتدبير. بحيث تثبت بداهة ان هذه الجبال هي خزائن ومستودعات إدخار تحت أمر القدير الذي لا نهاية لقدرته، والحكيم الذي لا نهاية لحكمته. فيدرك السائح هذا، ويقيس على هاتين الجوهرتين ما يليهما من وظائف الجبال والصحارى وحِكَمهما - التي هي بضخامة الجبال وسعة الصحارى - فيرى ان الجبال والصحارى تشهدان، وتوحِّدان بـ(لا إله إلاّ هو) بلسان جميع حِكَمهما وبلغة جميع وظائفهما وبخاصة ادخارهما للاحتياطي من