ابين لكم ايضاً هذا: انه بفضل رعايتكم وغيرتكم وهمتكم صُنت نفسي عن كل ما يمسّ آخرتي بسوء ويضرها من اعمال وافعال. وما ازال كذلك بفضل الله. ومع انني لاقيتُ كثيراً من ويلات الدنيا التافهة، وتجرعت غصصها، وشاهدت كثيراً من ملذاتها وافراحها ايضاً، وامضيتها كلها.. ولكني رغم كل ذلك ما نسيت قطعاً - وفي اي وقت كان - ان كل هذا هباء في هباء. وان لذائذ الدنيا كلها وافراحها التي ليست لله، عاقبتُها وخيمة وهي الذل والعذاب الشديد. بينما متاعب هذه الدنيا التي يعانيها المرء في سبيل الله إنفاذاً لأوامره الجليلة تفضي الى لذائذ واثوبة دائمة.
ولما كنت اعتقد الامر على هذه الصورة فقد استطعت بفضل الله ان اصون نفسي من المفاسد. فهذا الشعور وهذه التربية انما ترسختا في كياني وذهني وخيالى بفضل ما بذلتموه فيّ من جهد. ولكوني اعرف الحقيقة هكذا فاني صابر محتسب لله تجاه كل ما اقاسيه واكابده.
والآن يا عمي العزيز ويا استاذي القدير!
ان مجاهدة نفسي الامارة بالسوء، وعدم الانصياع لرغباتها المؤلمة العاقبة اضطرتني الى الزواج. فأنا الآن في راحة من جميع النواحي بفضل الله وكرمه ولطفه ورحمته تعالى عليّ. حيث لا اختلط مع الآخرين لئلا اسمع المكروه، ولئلا تتسرب فيّ خصال فاسدة، لذا اقضي اوقاتي بعد الدوام الرسمي في البيت شاكراً لله تعالى.
وبعد، فيا عمي العزيز! ان استاذي العظيم ومرشدي الاكبر هو ما استشعره واتحسسه من الآية الكريمة:
﴿اليوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون﴾ (يس: 65). فهي التي ايقظتني من نوم الغفلة ومنعتني من ارتكاب الشرور والمفاسد عقب ارشاداتكم لي.
واني لاعتقد ان ذلك اليوم قريب جداً(1) وان دعائي دوماً "اللّهم لا تخرجنا من الدنيا الاّ مع الشهادة والايمان"، وان عقيدتي التي اؤمن بها هي(2): آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر
--------------------
(1) انه لجدير بالملاحظة: انه يخبر عن وفاته - المؤلف.
(2) انه يعلن انه سيرحل من الدنيا بالايمان - المؤلف.