وأما نظم كيفيات وهيئات جملة جملة، فاعلم! ان كلمة ﴿يا أيها﴾ في جملة (يا ايها الناس اعبدوا) قد أكثر التنزيل من ذكرها لنكت دقيقة ولطائف رقيقة، اذ هذا الخطاب مؤكد بوجوه ثلاثة:
بما في (يا) من الايقاظ، وما في (اَيُّ) من التوسم، وما في (ها) من التنبيه.
فالخطاب هنا رمز الى فوائد ثلاث: مقابلة مشقة التكليف بلـذة الخطاب.. وان ترقى الانسان من حضيض الغيبة الى مقام الحضور انما هو بواسطة العبادة(1).. وأيضاً اشارة الى ان المخاطب مكلف بجهات ثلاث: باعتبار قلبه بالتسليم والانقياد، ومن جهة عقله بالايمان والتوحيد، وبالنظر الى قالبه بالعمل والعبادة..
وأيضاً ايماء الى ان المخاطبين ثلاث فرق(1).. وأيضاً تلويح الى الطبقات الثلاث من الخواص والمتوسطين والعوام..
وأيضاً تلميح الى الطرز المألوف والنسق المأنوس وهو ان المرء اولا ينادي أحداً فيوقفه. ثم يتوسمه فيوجهه. ثم يخاطبه فيخدمه.(2)
فبناء على هذه النكت تكون التأكيدات في الخطاب مؤسسة من تلك الجهات.
أما النداء في (يا) فلأن المنادى هو الناس المشتمل على الطبقات المختلفة من الغافلين والغائبين والساكنين والجاهلين والمشغولين والمعرضين والمحبين والطالبين والكاملين يكون هذا النداء للتنبيه، وكذا للإِحضار، وكذا للتحريك، وكذا للتعريف، وكذا للتفريغ، وكذا للتوجيه، وكذا للتهييج، وكذا للتشويق، وكذا للازدياد، وكذا لهزّ العطف..
وأما البُعد في (يا) مع ان المقام مقام القرب، فاشارة الى جلالة
--------------------
(1) وان لا واسطة في العبادة بين العبد وخالقه (ش).
(1) المؤمنون والكفار والمنافقون (ت:108).
(2) فيستخدمه (ب)