وان ﴿الذين﴾ بناءً على ابهامه ايماء الى ان الذين سبقوكم انقرضوا فماتوا فذهبوا.. فلم يبق منهم جهة المعلومية الا كونهم مخلوقين قبلكم.. فأنتم على شفا جرف القبر.. فاعتبروا.. فلا تغتروا بالدنيا.. فتشبثوا بأذيال العبادة التي هي وسيلة السعادة الابدية.
أما كيفيات ﴿لعلكم تتقون﴾ فاعلم! ان (لعل) للرجاء ففي المرغوب يقال اطماع وفي المكروه اشفاق. فالرجاء في حق المتكلم هنا حقيقةً محالٌ. فهو اما باعتباره لكن مجازاً، واما باعتبار المخاطب، واما باعتبار المشاهدين والسامعين:
أما باعتبار المتكلم فاستعارة تمثيلية كما ان من جهز أحداً بأسباب خدمةٍ يرجو منه عرفا تلك الخدمة؛ كذلك ان الله جهز البشر باستعداد الكمال وقابلية التكليف وواسطة الاختيار. ففي الاستعارة اشارة الى ان حكمة خلق البشر هي التقوى.. وكذا رمز الى ان نتيجة العبادة مرتبة التقوى.. وكذلك ايماء الى ان التقوى أكبر المراتب.. وأيضاً تلميح الى طرز اسلوب الملوك بالاطماع والرمز في موضع الوعد القطعيّ.
وأما باعتبار المخاطب فكأنه يقول: اعبدوا حال كونكم راجين للتقوى ومتوسطين بين الرجاء والخوف. وفي هذا الاعتبار اشارة الى انه لابد ان لايعتمد الانسان على عبادته.. وكذا ايماء الى انه لابد ان لايكتفي بما هو فيه بل لزم ان يكون مصداقا لـ(عليك بالحركة غير السكون) فينظر في كل مرتبة الى ما فوقها.
واما باعتبار المشاهدين والسامعين فكأن من شاهد البشر مجهزاً ومسلحاً باستعدادات يأمل ويرجو منه العبادة، كمن يرى مخالب حيوان وأنيابه يأمل منه الافتراس.. وكذلك اشارة الى ان العبادة مقتضى الفطرة.
اما لفظ ﴿تتقون﴾ فاشارة - بحكم ترتبه على عبادة الطبقات