وعظمة امانة التكليف.. وأيضاً ايماء الى بُعد درجة العبودية عن مرتبة الالوهية.. وأيضاً رمز الى بُعد اعصار المكلفين عن محلِّ وزمانِ ظهور الخطاب. وأيضاً تلويح الى شدة غفلة البشر.
وأما (أيّ) الموضوع للتوسم من العموم فرمز الى ان الخطاب لعموم الكائنات. فيخصص من بينها الانسان بتحمل الأمانة على طريق فرض الكفاية. فاذاً قصور الانسان تجاوزٌ لحق مجموع الكائنات.. ثم في (أي) جزالة الاجمال ثم التفصيل.(3)
وأما (ها) فمع كونه عوضاً عن المضاف اليه، اشارة الى تنبيه من حضر بـ (يا).
وأما ﴿الناس﴾ فاشارة - بحكم تلميح الوصفية الأصلية - الى العتاب، أي (ايها الناس كيف تنسون الميثاق الأزلي)؟ وأيضاً الى العذر أي (ايها الناس لابد ان يكون قصوركم عن السهو والنسيان لا بالعمد والجد)!.
أما ﴿اعبدوا﴾ فبحكم جوابيته للنداء العام مناداه للطبقات المذكورة يدل على الاطاعة، ويشير الى الاخلاص، ويرمز الى الدوام، ويلوح الى التوحيد. أي اطيعوا.. واخلصوا.. واثبتوا.. وازدادوا.. ووحدوا.
وأما ﴿ربكم﴾ فإشارة إلى ان العبادة كما ينبغي ان يرغّب فيها لأنها نسبة شريفة ومناسبة عالية؛ كذلك لابد ان تطلب لأنها شكر وخدمة لمن هو يربيكم وتحتاجون اليه.
أما هيئات ﴿الذي خلقكم والذين من قبلكم﴾
فاعلم! ان ﴿الذي﴾ الذي جهة معلوميته الصلة(1) يشير الى ان معرفة الله تعالى انما تكون بأفعاله وآثاره لا بكنهه.
وان (خَلَق) الممتاز عن الايجاد والانشاء بكونه على وجه مقدر مستو، اشارة الى ان استعداد البشر مسدَّد للتكليف.. وأيضاً رمز الى ان العبادة وظيفة، لأنها نتيجة الخلقة واجرتها. فما الثواب الاّ من محض فضل الله تعالى.
----------------
(3) لأن في كلمة (ايّ) إجمال وإبهام حيث ذكرت غير مضافة، الاّ ان كلمة (الناس) تزيل ذلك الابهام وتفصّل ذلك الاجمال (ت:109).
(1) فاذا قيل مثلاً: (الذى جاءك) فجهته المعلومة لديك هى المجئ اليك. اما سائر جهاته فمجهولة (ت:110).