محاكمات | المقدمة الاولى | 61
(1-90)

ثم ان الذي حيّرهم، هو توهمهم منافاة الامكان الذاتي لليقين العلمي، فيتقربون الى مذهب "اللاأدرية"(2) بترددهم وتشككهم في العلوم العادية اليقينية. بل لايخجلون، اذ يلزم مسلكهم هذا ان يتشكك الانسان في امور بديهية كوجود بحيرة "وان" وجبل "سبحان" لان هذا ممكن في مسلكهم، اي ان تنقلب بحيرة "وان" الى دبس، وينقلب جبل "سبحان" الى عسل مغطى بالسكر!! او انهما يذهبان الى بحرالعدم - كقسم من اصدقائنا الذين لم يرضوا بكروية الارض فسافروا فزلت اقدامهم - بمعنى: يلزم عدم التصديق بالحال السابقة للبحيرة والجبل!!
ايها المحرومون من المنطق! اين انتم؟ تأملوا! فقد تقرر في علم المنطق: ان الوهميات التي في المحسوسات، من البديهيات(3) فان انكرتم هذه البداهة، فليس لي الاّ ان اقدم لكم التعازي بدل النصائح ، بموت العلوم العادية بينما السفسطة قد بعثت لديكم.
البلاء الرابع: الذي شوّش اهل الظاهر هو: التباس الامكان الوهمي بالامكان العقلي(1). علماً ان الامكان الوهمي متولد من عرق التقليد، لا من اساس. وهو الذي يولد السفسطة، وحيث لادليل له، يفتح في البديهيات طريقاً الى الشك والاحتمال والظن، هذا الامكان الوهمي غالباً ما ينتج من عدم المحاكمة العقلية، ومن ضعف عصبى قلبي، ومن مرض عصبي عقلي، ومن عدم تصور الموضوع والمحمول. بينما الامكان العقلي هو تردد في امر لا يظفر بدليل

------------------------------------------------------------

(2) هو فرقة من السوفسطائيين يقولون: ان حقائق الاشياء لا تدري هل انها موجودة او معدومة، ونحن لا ندري هل ندري او لا ندري.
(3) يعني بهذا ان من البديهي ان لا يحصل الوهم في المحسوسات لان ما يُدرك بها يسمى علماً لا وهماً، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة أما السوفسطائيون فانهم يجوّزون الوهم في المحسوسات ويقولون: إن حبة العنب اذا وضعت في ماءٍ داخل قارورة زجاجية فانها تُرى كبيرة اكبر منها اذا كانت خارجها، فهذا وهمٌ حصل بالمبصرات. فيجابون بان الحبة لم تتغير انما عرض عليها الماء داخل القارورة فاصبحت تُرى هكذا، وإلاّ فهي لم تتغير. د. عبدالملك
(1) الفرق بينهما هو ان الإمكان الوهمي قد يوجد وقد لا يوجد، بينما الإمكان العقلي لا يتخلف. د.عبدالملك

لايوجد صوت