محاكمات | المقدمة الاولى | 58
(1-90)

﴿والجبال أوتاداً﴾(النبأ:7) يلوّح بمجاز بديع - الله أعلم بمراده - اذ يجوز ان يكون المجاز المشار اليه يومئ الى تصوّر كهذا:
اولاً: ان الكرة الارضية الشبيهة بالسفينة والغواصة العائمة في بحر الفضاء الواسع قد حافظت على توازنها، وارسيت اثناء اشتباكها بالهواء في جوف المحيط الهوائي، بجبالها الشبيهة بالاعمدة والاوتاد بمعنى ان الجبال في حكم الاعمدة والسارية لتلك السفينة.
ثانياً: ان الاهتزازات الناجمة من انقلابات الارض الداخلية تهدأ وتسكن بالجبال؛ اذ هي كالمسامات للارض، فمتى ماحصل فوران وغضب في الجوف تتنفس الارض بمنافذ جبالها. فتسكن غضبها وتهدأ حدّتها. اي ان استقرار الارض وهدوءها بجبالها.
ثالثاً: ان عمود عمارة الارض، الانسان وحياة الانسان متوقفة على محافظة منابعها من ماء وتراب وهواء، مع ضمان الاستفادة منها. والجبال هي التي تحقق ذلك. بتضمنها لمخازن الماء وتصفيتها الهواء وتلطيفها الحرارة والبرودة وهي سبب في تنقية الهواء ومنبع تراكم الغازات المضرة الداخلة فيه. وفي الوقت نفسه تترحم على التراب فتحفظه من التوحل والتعفن وتقيه من استيلاء البحر.
رابعاً: ان وجه المشابهة والمناسبة من حيث البلاغة هو:
لو فرضنا شخصاً ركب منطاد الخيال، فصعد الى السماء بعيداً عن الارض. فاذا نظر الى سلسلة الجبال من هناك وتخيل الطبقة الترابية خيام البدو المفروشة على الاوتاد، والجبال المنفردة خيمة منصوبة على عماد.. أتراه قد خالف طبيعة الخيال؟ ولو تصورت وصوّرت لبدويّ تلك السلاسل الجبلية - مع المستقلة بذاتها - يام قبائل الاعراب ضربت في صحراء الارض مع تخللها خياماً مفردة، لم تبعد عن اساليب العرب الخيالية.. او لو تصورت انك قد تجردت من هذا العالم المشيد، وبدأت تتامل في الارض التي هي مهد البشرية بمنظارالحكمة وفي السماء التي هي السقف المرفوع وتخيلت بعد ذلك ان السماء المحددة بدائرة

لايوجد صوت