ان العالم الاخروي الابدي لايقاس بمقياس هذه الدنيا الفانية، ولا بسعتها، فاستعد سيتجلى لك شئٌ من الاخرة في ختام "المقالة الثالثة".
اشارة: من السعادة الاخروية، من تلك الجنة الوارفة الظلال، تنفتح امام نظر العقل ثمانية ابواب ونافذتان وذلك:
بشهادة الانتظام في جميع العلوم.. وبارشاد الاستقراء التام للحكمة.. وبرمز جوهر الانسانية.. وبايماء عدم تناهي ميول البشر.. وبتلميح القيامة النوعية المكررة في كثير من الانواع، كالليل والنهار.. وبدلالة عدم العبثية.. وبتلويح الحكمة الازلية.. وبارشاد الرحمة الالهية المطلقة.. وبلسان النبي الصادق الفصيح.. وبهداية القرآن المعجز البيان.
المسألة السادسة
ان الخاصية المميزة للتنـزيل، الاعجاز، والاعجاز يتولد من ذروة البلاغة، والبلاغة مؤسسة على مزايا وخصائص، لاسيما الاستعارة والمجاز. فمن لم ينظر بمنظارهما لا يفوز بمزاياها.. فكم في التنـزيل من "تنـزلات الهية الى عقول البشر" تسيّل ينابيع العلوم في اساليب العرب تأنيساً للأذهان. والتي تعبّر عن مراعاة الافهام واحترام الحسيات ومماشاة الاذهان.
ولما كان الامر هكذا.. فلا بد لاهل التفسير الاّ يبخسوا حق القرآن بتأويله بما لم تشهد به البلاغة.
ولقد تحقق اجلى من أية حقيقة كانت، ان معاني القرآن الكريم حق، كما ان صور افادته للمعاني، بليغة ورفيعة. فمن لا يُرجع الجزئيات الى ذلك المعدن ولا يلحقها بذلك النبع يكن من المبخسين حقه. وسنبين مثالاً يلفت النظر.