ان موضع هذه الاستعارة مبني على تصور التسابق والمحاكاة بين الارض والسماء بحكم الخيال وهي كالاتي:
كما ان الارض تتزين بجبالها المتزملة بحلل الثلج والبرد او تتعمم بها، وتتبرج ببساتينها، فالسماء كذلك تقابلها وتحاكيها فتتجمل متبرقعةً بالسحاب المتقطع جبالاً واطواداً واودية وتتلون بالوان مختلفة مصورة لبساتين الارض.
فلا خطأ اذاً في التشبيه إن قيل ان تلك السحب المتقطعة شبيهة بالجبال او بالسفن او بقافلة الابل او بالبساتين والوديان، اذ يخيل - في نظر البلاغة - ان قطعات السحاب سيارة وسبّاحة في الجو كأن الرعد راعيها وحاديها، كلما هزّ عصا برقه على رؤوسهم في البحر المحيط الهوائي اهتزت تلك القطعات وارتجت وتراءت جبالاً كالعهن المنفوش. وكأن السماء تدعو ذرات بخار الماء بالرعد لتسلم السلاح والجندية ثم بأمر الاستراحة يذهب كلٌ الى مكانه ويختفي.
وكثيراً ما لبس السحاب زي الجبال ويتشكل بهيكله ويتلون ببياض البرد والثلج ويتكيف بالرطوبة والبرودة. ولهذا فبين الجبال والسحب مجاورة وصداقة، فاستحق - في نظر البلاغة - ان يتبادلا ويستعيرا لوازمهما، فيعبّر عن السحاب بالجبل مع تناسي التشبيه.
وفي مواضع من القران تظهر هذه الاخوة والتبادل اذ قد يظهر هذا في زي ذاك وذاك في زي ذلك وفي بريقه.. ومن منازل التنـزيل مصافحة الجبال والسحب مثلما هناك معانقة ومصافحة مشهودة على صحيفة كتاب العالم. اذ نرى السحاب موضوعاً على جبل وكأن الجبل مرسى لسفن السحاب.
الآية الثانية: ﴿والشمس تجرى لمستقر لها﴾.
نعم! ان كلمة ﴿تجري﴾ تشير الى اسلوب بياني كما ان كلمة ﴿لمستقر﴾ تلوح الى حقيقة. بمعنى انه يجوز ان يكون الاسلوب البياني المشار اليه بـ﴿تجري﴾ هو الاتي:
ان الشمس كسفينة مدرعة مصنوعة من ذوب الذهب تجري وتسبح في بحر السماء الاثيري - المعبّر عنه بموج مكفوف - وهي وان ارسيت في مستقرها الاّ ان ذلك الذهب الذائب يجري في ذلك البحر العظيم، بحر السماء. ولكن ذلك