الجريان انما هو بالنظر الحسي الذي يراعى لاجل التفهيم، فهو جريان تبعي وعرضي. الاّ ان للشمس جريانين حقيقيين؛ ولابد ان يكون لها جريان، لان المقصد - من الآية - بيان الانتظام، وحسب اساليب العرب وفي نظر النظام ان كان الجريان ذاتياً او تبعياً فالامر سواء.
ثانياً: ان الشمس في مستقرها وعلى محورها متحركة، لذا فان اجزاءها التي هي من ذوب الذهب تجري ايضاً، هذه الحركة الحقيقية هي حبة من تلك الحركة المجازية المذكورة بل هي محركها.
ثالثاً: انه من مقتضى الحكمة ان جريان الشمس وجنودها التي هي سياراتها في فضاء العالم في جريان مشاهد، لان القدرة الالهية قد جعلت كل شئ حياً ومتحركاً ولم تجعل شيئاً محكوماً عليه بالسكون المطلق، ولم تسمح الرحمة الالهية ان يتقيد اي شئ كان بالعطالة المطلقة التي هي اخت الموت وابنة عم العدم. لذا فالشمس ايضاً طليقة بشرط اطاعتها للقانون الالهي، فلها الحرية في الجريان، ولكن بشرط الاّ تتدخل في حرية غيرها. ان الشمس سلطان الفضاء وهي المتمثلة للأمر الالهي، والمنفذة للمشيئة الالهية في كل حركاتها.
نعم ان جريان الشمس كما يكون على سبيل الحقيقة يمكن ان يكون على سبيل المجاز ايضاً، وكما ان جريان الشمس حقيقي وذاتي يمكن ان يكون عرضياً وحسياً ايضاً. والمنار على المجاز كلمة ﴿تجري﴾ والملوح للعقدة الحياتية لفظ ﴿لمستقر لها﴾.
نحصل مما سبق: ان المقصد الالهي في هذه الاية الكريمة: ابراز النظام والانتظام فالنظام ساطع كالشمس، وبناء على قاعدة: "كُلِ العسل ولاتسل" فان الحركة المنتجة للنظام سواء كانت من الشمس او من دوران الارض، ايما كانت، فلسنا مضطرين الى تحرّي السبب الاصلي لانه لا يخلّ بالقصد الاساس في ذكر الآية. شبيه ذلك: الالف مثلاً في قال، تحصل بها الخفة، فأياً كان اصل الالف، فالخفة حاصلة والالف الف، حتى لوكان اصلها قافاً بدل الواو..