محاكمات | المقدمة الاولى | 70
(1-90)

الطيبات لله والصلوات على نبيه

المسألة الأولى
يخبرنا التأريخ بأسف بالغ انه: لما انجذب الاعاجم بجاذبة سلطنة العرب فَسَد بالاختلاط مَلَكة الكلام المُضَري، التي هي اساس بلاغة القرآن؛ اذ لما تعاطى الاعاجم والدخلاء صنعة البلاغة العربية حوّلوا الذوق البلاغي من مجراه الطبيعي للفكر، وهو نظم المعاني، الى صنعة اللفظ وذلك:
ان المجرى الطبيعي لأنهار الأفكار والمشاعر والاحاسيس انما هو نظم المعاني.. ونظم المعاني: هو الذي يشيد بقوانين المنطق.. واسلوب المنطق: متوجه الى الحقائق المتسلسلة.. والفكر الواصل الى الحقائق: هو الذي ينفذ في دقائق الماهيات ونسَبها.. ودقائق الماهيات ونسبها هي الروابط للنظام الأكمل في العالم.. والنظام الاكمل: هو المندمج فيه الحسن المجرد الذي هو منبع كل حسن.. والحسن المجرد هو روضة ازاهير البلاغة التي تسمى لطائف ومزايا.. وتلك الجنة المزهرة ودقائق الماهيات ونسبها: هي التي تجول فيها بلابل عاشقة للازاهير المسماة بالشعراء والبلغاء وعشاق الفطرة.. ونغمات تلك البلابل يمدّها صدىً روحاني هو نظم المعاني.
ولكن لما حاول الدخلاء والاعاجم الدخول في صفوف الادباء، فلت الأمر. لأن مزاج الأمة مثلما انه منشأ احاسيسها ومشاعرها، فان لسانها القومي يعبّر عن تلك المشاعر ويعكس تلك الاحاسيس. وحيث ان أمزجه الامة مختلفة،

لايوجد صوت