محاكمات | المقدمة الاولى | 72
(1-90)

نعم! اللفظ يُزيّن ولكن اذا اقتضته طبيعة المعنى وحاجته.. وصورة المعنى تُعظّم وتعطى لها مهابة ولكن اذا أذِن بها المعنى... والاسلوب يُنوّر ويلمّع ولكن اذا ساعده استعداد المقصود.. والتشبيه يلطّف ويجمّل ولكن اذا تأسست على علاقة المقصود وارتضى به المطلوب.. والخيال يُنشط ويسيّح ولكن اذا لم يؤلم الحقيقة، ولم يثقل عليها، وان يكون مثالاً للحقيقة متسنبلاً عليها.

المسألة الثانية
ان حياة الكلام ونموه: بتجسّم المعاني وبنفخ الروح في الجمادات وذلك بإلقاء الحوار فيما بينها بالسحر البياني الحاصل بقوة الخيال؛ المبنية على المغالطة الوهمية، المؤسسة على الدوران - اي ظن احد الشيئين علّة للآخر في الوجود والعدم كما هو الاعتقاد العرفي - فالسحر البياني اذا تجلى في الكلام بَعَثَ الحياة في الجمادات كالساحر، ويوقع بينها محاورة قد تنجرّ الى المحبة او المخاصمة، فيجسّم المعاني ويحييها ويدرج فيها الحرارة الغريزية.
فاذا شئت فادخل في البيت الصاخب:
يناجيني الإخلافُ من تحت مُطْلِهِ فتختصم الآمالُ واليأس في صدري(1)
أي: إن خلف الوعد يحاورني من تحت ستار المماطلة في الحق، ويقول: لاتنخدع. فتتخاصم الآمال واليأس ويهدّان منزل صدري المتزلزل.
فترى كيف مثّل الشاعر الساحر المحاربة والمخاصمة بتجسيمه الأمل واليأس وبعثه الحياة فيهما وجعلهما في صراع مع مثير الفتن، اخلاف الوعد. حتى جعل البيت كأنه مشهد سينمائي يتراءى أمام عقلك. نعم ان هذا السحر البياني نوع من التنويم.
او استمع الى شكوى الارض وعشقها الى المطر في هذا البيت:
تشكّى الارضُ غَيْبته اليه وترشُف ماءَه رشفَ الرضاب
يضع امام خيالك حالة قيس وليلى، فالارض قيس ومعشوقها السحاب ليلى!
تنبيه:

------------------------------------------------------------

(1) لإبن المعتز (دلائل الاعجاز 61) وفي ديوان ابن المعتز: تُجاذبني الاطراف بالوصل والقلى..ص226.

لايوجد صوت